أقلام
أقلام
أقلام
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

أقلام

مرحبا بكم في منتدى أقلام ثقافة, أدب, رواية, خواطر, مقالات وغيرها. . . . كل ما تبحث عنه تجده في منتدانا.
 
الرئيسيةالبوابةاليوميةالأحداثمكتبة الصورأحدث الصورالمنشوراتس .و .جبحـثالتسجيلدخول

 

 ملوك تحت رحمة العشق للكاتبة Maroska

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
مريم_العبد الله
Admin
مريم_العبد الله


المساهمات : 85
نقاط : 215
تاريخ التسجيل : 04/09/2020
العمر : 27
الموقع : مشرفة

ملوك تحت رحمة العشق للكاتبة Maroska Empty
مُساهمةموضوع: ملوك تحت رحمة العشق للكاتبة Maroska   ملوك تحت رحمة العشق للكاتبة Maroska Emptyالخميس ديسمبر 08, 2022 3:00 pm

ملوك تحت رحمة العشق








المقدمة


أعزائي،




انا لا أجيد كتابة المقدمات ولكن مع ذلك أنا مرغمة من نفسي هذه المرة على كتابة مقدمة طويلة قبل ان نخوض معا هذه الرحلة الجديدة.




تعود مني قرائي الأحباء الذين تابعوني في رواياتي السابقة انني اتخذ مواضيع اجتماعية من مجتمعنا العربي او المجتمع الذي اعيش فيه حاليا ثم احبكها لكي اصنع منها رواية امتزجت اسطرها بواقع الحياة مع خيالي الخاص.




لكن هذه الرواية لن تكون كما تعودتم مني رومنسية مع افة اجتماعية تحاول معالجتها.




روايتي هذه عبارة فقط عن قصة حب ليس لها أي صلة بالواقع هي فقط رواية لمشاعر أبطال يحرقهم العشق ويجعلهم تحت رحمته.


رواية بدون بلد او هوية .. رواية لا اسلط الضوء فيها على شيء سوى على قصة خطرت ببالي منذ سنتين وفي كل مرة كنت اغير تخطيطي لها حتى اقتنعت أخيراً بما وصلت إليه مخيلتي من شخوص وأحداث.




قد تكون رواية غريبة ولكنني شخصيا مقتنعة بها والمغامرة ليس بكتابتها بل المغامرة في نشرها فلا اعرف إن كنتم ستقتنعون بها مثلي.




ولكنني سأغامر وسأكون شاكرة لوجودكم ولآرائكم وفرحة بنقدكم فبه أتقدم إلى الامام.




قبل ان اضع لكم غلاف الرواية فأنا اشكر المصممة المبدعة كاردينيا على تعبها وصبرها معي حتى يكون الغلاف كما تصورته في مخيلتي وفعلا أبهرتني بإبداعها وكان الغلاف أروع مما أردت.


واشكر بقوة صديقتين غاليتين على قلبي .. فتيحة وتميمة عشق لانهما اول من شجعاني على نشر ما كتبته من هذه الرواية.


اليوم سأنزل فقط الغلاف لأنني لو اجلت اكثر من ما فعلت فلن استطيع تنزيلها, لذلك اتخذت هذا القرار السريع حتى لا اتردد اكثر في انزال الغلاف وحتى تستطيع تشجيعاتكم دفعي على تنزيل فصولها.



وأود معرفة انطباعكم الاول عن العنوان والملخص والغلاف لأن هذه الرواية لم احبذ كتابة اي تمهيد عن أحداثها لذلك موعدنا القادم ان شاء الله سيكون مباشرة مع الفصل الاولملوك تحت رحمة العشق للكاتبة Maroska S_45






ملوك تحت رحمة العشق للكاتبة Maroska Mvb02710ملوك تحت رحمة العشق للكاتبة Maroska D1812010ملوك تحت رحمة العشق للكاتبة Maroska Jwe22810
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://aklam-adab777.ahlamontada.com/
مريم_العبد الله
Admin
مريم_العبد الله


المساهمات : 85
نقاط : 215
تاريخ التسجيل : 04/09/2020
العمر : 27
الموقع : مشرفة

ملوك تحت رحمة العشق للكاتبة Maroska Empty
مُساهمةموضوع: رد: ملوك تحت رحمة العشق للكاتبة Maroska   ملوك تحت رحمة العشق للكاتبة Maroska Emptyالخميس ديسمبر 08, 2022 3:02 pm

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
سيكون إن شاء الله التنزيل يومي على الساعة الخامسة بتوقيت غرينتش.

قراءة ممتعة....

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://aklam-adab777.ahlamontada.com/
مريم_العبد الله
Admin
مريم_العبد الله


المساهمات : 85
نقاط : 215
تاريخ التسجيل : 04/09/2020
العمر : 27
الموقع : مشرفة

ملوك تحت رحمة العشق للكاتبة Maroska Empty
مُساهمةموضوع: رد: ملوك تحت رحمة العشق للكاتبة Maroska   ملوك تحت رحمة العشق للكاتبة Maroska Emptyالخميس ديسمبر 08, 2022 6:26 pm



الفصل الأول:


-أطلقتْ صرخةً تنافست في دويها مع الطلق الرصاصي الذي كان يهز جدران القصر الاثرية .. وعضت على شفتيها المكتنزتين الشبيهتين بالكرز الناضج حتى سالت منهما الدماء, فقد أبت أن يأخذها الألم على غفلة منها لتطلق صرختها الثانية, حتى لو كان الألم يتزايد عليها .. ألم كانت تشعر أنه من أشد ما تواجهه في حياتها, ولكن هذا الألم لن يهزمها لأنه لا شيء مقابل ما ينتظرها , فهي تنتظرها الحرب, حرب شرسة مع أعداء لا رحمة لهم كما لا رحمة لها في سبيل الدفاع عن المملكةوشرف العائلة الملكية وولي العهد الذي عليها أن تلده بصحة كاملة حتى لو كلف الأمر حياتها.
_ آليا , ساعديني علي أن ألد الطفل الآن .



صاحت بذلك من بين أسنانها في وجه المرأة الذي ازدادت تغضناته حتى غاصت ملامحها واختلطت ببعضها بسبب الرعب الذي غرس مخالبه في قلب مدبرة المنزل التي عُهد عنها الوفاء والصرامة في عملها, لكنها كانت تبكي حالها كحال جميع الخادمات التي تجمعن في غرفة سيدتهن بدعوى حمايتها بينما هم يحتمون بالغرفة الوحيدة التي مازالت مؤمَّنة في القصر .


_ آليا ...


صاحت فيها من جديد و هي تلفظ أنفاسها بصعوبة بالغة على فراشها الضخم . و أخيرا تحركت آليا من مكانها حتى لو أنها بدأت تنظر من حولها كالمخبولة كأنها لا تعرف من أين أتاها مصدر الصوت و قد أفقدها الرعب حتى ذاكرتها التي عاشت لسنوات كي تدون فيها تفاصيل حياتها التي وعدت أن تخدم فيها الملكة و عائلتها بكل تفانٍ و تضحيةٍ .



- لا تخافوا , إنه فقط طلق رصاصي , و هم لن يستطيعوا الوصول إلينا .


نظرت آليا بارتعاش إلى مولاتها كجميع وجوه الخادمات الشاحبات التي كن يحدقن في الملكة بعد صراخها ذاك فيهم و أسنانهم تصطك ببعضها البعض , فهيبة سيدتهم ما تزال طاغية حتى في ظروف قاتلة كتلك .


تحدثت أخيرا آليا إلى سيدتها بارتباك كبير لم تعرفه من قبل :


- مولاتي .. مولاتي, ماذا يمكننا فعله لك ؟ ماذا سيحصل ؟


- كل الذي سيحصل أنه علي ولادة طفلي الآن و عليه أن ينجو و لو على حساب حياتنا جميعا .



لم تستطع سماع جواب كبيرات خدمها و الذي كان زوجها أيضا يترأس مكانة مهمة في خدم القصر كرئيسهم الأعلى و الذي لم يكن يُعلم عن مصيره شيئا في تلك اللحظة غير أنه بقي خارجا مع باقي خدم و حشم البلاط الملكي , ففي نفس اللحظة فتح الباب كي يشهق الجميع بفزع و تنهمر دموعهم مودعين الحياة ظانين أنها آخر لحظاتهم , و كان ذلك نفس ما ظنته سيدتهم أيضا التي شعرت في تلك اللحظة بمعنى هلع أن تفقد كل شيء إن ماتت و طفلها ما يزال في أحشائها , فلا يعود للعائلة الملكية أي وجود لها .



و ما أروع الارتياح و هي تزفر به لحظة طل وجهه الحبيب رغم رؤيتها لتلك الملامح الصلبة القاسية التي يتطاير شرر عظيم منها إلا أنها رغم ذلك بعثت عليها بالراحة المطلقة .


تقدم منها بخطوات قوية ذو هيبة عظيمة جعلت الخادمات لا ينسون أن يحنوا رؤوسهم له في تحية ملكية وهم يفسحون له الطريق رغم الارتعاش و أنين الخوف الذي طغا على حركاتهم جميعا. و أمام أعين الجميع و كما لم يفعل يوما جثى على ركبتيه عند رأس السرير المخملي ينظر لدموع الألم الحبيسة عينيها القويتين والتين لم يشهد أحد أجمل منهما .



نظرت بحنان إليه كما نظر بعشق إليها , فتلك اللحظات القليلة كان كل واحد منهما قد تمنى أن تذهب القوانين الملكية الصارمة و بروتوكول البلاط إلى الجحيم , لأن شعورًا بداخلهما كان يؤكد لهما أنها ستكون آخر اللحظات التي تجمع بينهما و لذلك لن ينتظرا ككل مرة حتى يكونا بعيدين عن أنظار كل كائن حي كي يُظهرا مشاعرهما المشتعلة لبعضهما البعض .



لم تفارق عينيها عينيه و قد علمت سبب تواجده معها في تلك اللحظات و لم تمانع و لم ترتعب , فهي كانت أقوى من أن تحاول خداع نفسها بأي أمل لن يكون موجودا كما أنها لم تهب الموت يوما حتى تهابه الآن , ما تهابه حقا هو أن تموت دون أن ترى حبيبها بجانبها و ترى طفلها يخرج للحياة .



مدت يدها إلى يده التي كانت تحمل مسدسا ثقيلا عريقا و قد نقش على مقبضه شعار ملكي بماء الذهب , لمست يده بأناملها و ظلت تقوم بحركات رقيقة على أصابعه الطويلة التي لم تفلت من قبضتها مسدسه , و قالت بصوت حرصت أن يكون صافيا ملكيا و مخارج حروفها فاخرة كعادتها تتغنى بالكلام كسمفونية راقية ذو تأثير سحري على كل من يسمعها :


- إنه القرار الصواب جلالتك .


رمش بجفنيه رمشة تكاد لا تُلاحظ من صغرها و سرعتها و هو يكلمها بصلابة لا يعلم أحد ما يخفي خلفها غيرها هي .


- لقد هُزمت.



عندها فقط شعر بأناملها تتوقف عن حركاتها قبل أن تضغط على ظهر يده بقوة وهي تقول له :


- أبداً جلالتك , لا يمكن أن تهزم , بل هذه شجاعة منك أن تعترف بغدر العدو بنا و تقرر التضحية في سبيل سلالتنا الملكية حتى لا تنقرض و يصبح شعبنا تحت سيطرة عدونا .


- و أنا جئت لإنقاذكما يا حبيبتي , تركت الرجال في الخارج لأنني وصلت لحقيقة أنني لم أعد أستطيع حماية الجميع و لا كل من في القصر سوى أنتما الاثنان .


قال ذلك و هو يخفي الحسرة .. الغضب و الحزن لأن الأمور آلت إلى ذلك الاتجاه من الضعف و الخسران , فلا يمكن أن يُظهر مشاعره هذه , فحياته لم تكن يوما له. رأى حبيبته تضغط على شفتيها بقوة كبيرة و هي تشد على جفنيها حتى تقاوم آلام مغصها الذي كان يعاودها , قبل أن تستطيع القول له بثقة لم يزدها الألم إلا قوة .


- أنقذه هو جلالتك , فحياته أهم من حياتي .



ظل يحدق في عينيها للحظات بصلابة كبيرة فقوته و عزة نفسه و شرف القيام بواجبه الملكي على أكمل وجه جعله يعترف بكل ثبات بصحة كلامها . تركت نظرات عينيه الرماديتين عينيها كي يلتفت برأسه للوراء لينظر للخدم الذين فقدوا السيطرة على أنفسهم ثانية و تجرؤوا على أن يُسمعوا نحيبهم المرتجف لملكهم كلما دوى الطلق الناري بقوة أكثر من ذي قبل و قد أكد لهم وجود سيدهم في الغرفة مع زوجته .. أن الغادرين القتلة سيصلون إليهم , لا أحد سينجو , لا أحد إلا شخص واحد , و هم حقا لا يعرفون كيف سيخرجونه من القصر المحاصر من كل جهة إذا وُلد .


- كفوا عن النحيب و العويل و الوقوف عاجزاتٍ أمامنا , جلالة الملكة تلد الآن و عليكم أن تحرصوا على أن تمر ولادتها على خير و بسرعة أيضا .



و صرخ مرة أخرى فيهم , و قد كانت المرة الأولى التي يعلو صوته بهذا الشكل الهستيري الوحشي و هو الرجل الرزين النبيل ذو الأصول الملكية أبا عن جد و الذي لم يكن يحتاج حتى للنظر للأخرين كي يحققوا له ما يريد .



تحرك الجميع حول بعضهم بارتباك شديد و قد كن جميعا نسوة ترعرعن في القصر الرئيسي و انتقلوا مع الملك و الملكة للقصر الصيفي الذي طُوق الآن و بعض من أولئك الخدم كانوا قد عاشوا معهم لسنوات طويلة خدموا فيها حتى أباءهم و أجدادهم كآليا الخادمة الأولى والرئيسة للملكة بينما بعضهم كان ما يزال في بداية شبابه كأولادهم و بناتهم الذين ورثوا خدمة العائلة الملكية من أباءهم .



و فهمت الخادمات ما عليهن فعله فسيطرن على دموعهم و ارتجافهم بعد استسلامهم لحقيقة الموت الذي كان يقترب منهم , علموا أنها لحظة التضحية و على الجميع أن يضحوا بحياتهم و أولهم الملك و الملكة .



وقف على قدميه و ابتعد عنها تاركا يدها لكن عينيه لم تترك عينيها , فأقوى المشاعر كانت تربطهما ببعضهما و لو كانت آلاف الأميال تفرق بينهما , فيكفي أن يرغبا بالموت بجانب بعضهما و من أجل ثمرة حبهما و التي بها ستستمر سلالتهما . تركها بين أيدي الخادمات و وقف ينظر إليها من بعيد و هي تحاول تحدي الألم حتى تلد ابنها بسرعة .



كان يرى عذابها بصلابة و دون أن يرف له جفن و في نفس الوقت كانت حواسه معها و مع ما يحدث خارج تلك الغرفة , ليس معهما وقت كثير , و الطفل يعذبها و يزيد من تعسير الموقف و كأنه يرفض الخروج للحياة .



كم سيستغرق الأمر حتى يصلوا لداخل القصر ؟ كم سيستغرقوا من الوقت لقتل جميع الحرس و رجال أمن القصر في الخارج الذين تركهم يحاربون لوحدهم بعد أن تم السيطرة على منطقة القصر بأكملها , سيُقتل الجميع , الحرس الخدم و الحشم , الموظفين , هو و هي , لكن إلا الطفل فعليه أن يعيش , عليه أن يبقى على قيد الحياة حتى لو كان متأكداً أن الأمر لن يستغرق أكثر من دقائق قليلة لإحكام سيطرتهم على القصر بأكمله , وحينها سيقف في وجوههم هنا في هذه الغرفة , لن يقترب أحد من زوجته إلا على جثته .


و ما أن أكمل كلمته تلك حتى سمع دوي الرصاص قريبا جدا منهم , عندها علم أنهم أصبحوا داخل القصر و ربما تكون الآن خطواتهم على الدرج بنية إحراق كل ما يقف في طريقهم , عندها رمقها بنظرة أخيرة , قوية عاشقة غاضبة , و لم تحاول منعه من القيام بالواجب الذي يشتركان به معا .. أبقوا على قوتهم رغم النحيب و صرخات الفزع التي كانت تزداد من حولهم مصدرها الخدم المساكين . و خرج من الغرفة بثقة كبيرة و يده مطبقة على مسدسه الملكي , جاهزا للضغط على الزناد في أي لحظة كانت و قد دوى رصاص كثيف من مسدسه في اللحظة التي أغلق بيده الأخرى باب الجناح الملكي بسرعة , و قد عين نفسه حارسا لذلك الجناح .



حاولتْ التشبث بيدي آليا بكل قوتها ليس من أجل أن تستعين بها بل من أجل أن توقظها من هلعها الذي جعلها جامدة في مكانها كتمثال بصمت و تسيل من عينيها الحجريتين دموع كثيفة , فأفاقت آليا من هول صدمتها تلك كي ترغم نفسها على الصمود حتى تستطيع مساعدة سيدتها في ولادتها التي أبت إلا أن تكون عسيرة.




انتفضت الأجساد من حولها عندما حُطم باب الغرفة فجأة و في لمح بصر و من بين صرخات الخادمات نظرت الملكة بصدمة كبيرة إلى الجسد الذي رموه أمامها مسجا على الأرض غارقا في دمائه , و كانت تلك لحظتها الوحيدة التي أنستها ألم ولادتها .



بقيتْ تحدق فيه و هو يتحرك ببطء يحاول النهوض فلا يستطيع في الوقت الذي تطايرت الدماء من حولها عندما أطلقوا القتلة الرصاص على الخادمات من حولها , فلقين مصرعهن حالا و من بينهن كانت آليا .



لم يرف لها جفن و هي ترى تلك المذبحة الجماعية , فقد توقعتها منذ أن دخل مولاها إلى الغرفة معلنا استسلامه من مقاومة الأعداء الذين لم يأتوا سوى بغرض استئصال آخر سلالات العائلة الملكية من جذورها .. فحينها توقعت هذا المصير لها و له و لكن لم تتوقعه سيحصل بهذه السرعة و السهولة , لم تتوقع أن تراه يوما يموت ضعيفا و ليس قويا شامخا بكرامة الملك الجبار , و لم تريد هي يوما أن تقتل و هي ما تزال تحمل ابنها في أحشائها , إن أمل استمرار السلالة كان في الطفل الذي تحمل به و هي الآن لا تستطيع ولادته , فكرت بذلك و هي تغمض عينيها لأول مرة في حياتها استسلاما للألم , تشعر بشيء رطب يجري على خديها , فعلمت أنها دموعها التي افتقدتها طويل, ها هي الآن تبكيها أمام الأعداء الذين كانوا ينظرون إليها بابتسامة متشفية و منتصرة من استطاعتهم سحق الأسطورة الملكية أخيرا .



عضت على شفتيها بقوة كبيرة تذوقت معها دمها الحار في الوقت الذي فتحت فيه عينيها كي تنظر لرئيسهم الأصلعذو الوجه الشبيه بصفيحة معدنية يصعب تمييز ملامحها من شحوبها و صلابتها ، قال لها و هو يضرب برأس حذائه الضخم ثقيل الجسد حبيبها و زوجها و الأكثر من هذا جلالة الملك , و رغم أنه كان نصف فاقد للوعي إلا أنه و حتى لا يتأوه ألما كان قد كز بقوة على أسنانه التي أصبح لونها أحمرا من الدماء المتدفقة من فمه , ما زال متشبثا بكرامته حتى و هو يموت.


تكلم رئيس القتلة قائلا :


- و أخيرا جاء اليوم الذي نراكم فيه جاثين على الأرض تحت رحمتنا يا فخامة الملوك.


نظرت إليه و هي تكتم ألم ولادتها بشراسة , في الوقت الذي حدق العدو بعينيه الحمراوين من شدة بطشه إلى جسدها الذي كان يستره غطاء أبيض رقيق كي يضيف بسخرية مثيرة للاشمئزاز :


- يا لسوء حظ جلالتك , لم يأتكِ الطلق إلا و نحن في زيارتكم المشرفة هذه .



و بقيت على صمتها , فما كانت لتتخلى عن شموخها و عزة نفسها و مكانتها من أجل عدو مجرم تلوثت يده بدماء البشر و الذي بقي ينظر إليها بجمود و قد تلاشت ابتسامته من نظراتها القوية حتى و هي في قمة الألم و الأجساد و التي كانت قبل قليل تتنفس حية ترزق و قد عاشت معها لسنوات طويلة قد أصبحت جثث هامدة تسيل الدماء منها بغزارة كي تحيط السرير الذي كانت مستلقية عليه ببحيرة حمراء قانية مرعبة المنظر , لكن أبدا ما كانت لتكون مرعبة لها .. بل كانت تعدهم بصمت (فانتظروني يا أعزائي و يا زوجي الحبيب سأنتقل إليكم بعد ثوان أنا و ابني الحبيب الذي لم يقدر له أن يولد فها هم قد نجحوا في قطع جذور سلالتنا من الأعماق . )


ومن دون حتى أن تنظر إلى أولئك المسلحين الحاملين لرشاشتهم الثقيلة التي لم يترددوا و لو لحظة في إطلاق وابل من الرصاص على خدم قصرها و عامليه بأكملهم و حتى مولاها نفسه كان مصابا بطلق رصاصي في ساقه هذا غير الضرب المبرح في كامل جسده جعله يحبس أنينه بصعوبة .


- هل نطلق النار عليها سيدي ؟


- لا, هذا قليل في حقها , دعونا ننتهي من هذه العائلة إلى الأبد , أضرموا النار في القصر و دعوها تموت حرقا هي و ابنها التي تلده الآن .


قاومت حينها حتى الرغبة في رفع يديها و وضعها على بطنها فهي أبدا لن تموت ضعيفة حزينة .. فكرت بذلك قبل أن تتوقف عن الحديث إلى نفسها عندما رأته يرفع رأسه عن الأرض لينظر إليها بوجهه الذي أصبح عبارة عن لوحة لشلال من الدماء , فحاول النهوض على قدميه حتى يدافع عنها مقاوما ألمه عندما سمع المصير الذي ستتلقاه ، لكن قبل أن ينجح حتى في الاقتراب من ذلك الاصلع كان قد سبقه وضربه على رقبته بمقبض مسدسه الملكي الذي سلبه منه في الخارج عندما واجههم جميعا وحده , تأوه بألم شديد عصف برقبته قبل أن يسقط على الأرض بلا حراك تام , و ظنته قد مات في لحظة ارتجفت فيها جميع أوصالها قبل أن يجثو ذلك الأصلع على قدميه و يتحسس نبض قلبه من رقبته و عندها أمر رجاله القتلة الذين كانوا كلهم مقنعين بالسواد متمسكين بأسلحتهم:


- مازال حيا , خذوه من هنا , فنحن لم نأتي إلى هنا حتى نعود بأيد خاوية , لن نتخلص من جميع دماء هذه العائلة حتى نحصل على مرادنا بكامله .



رأت اثنين يقتربان من حبيبها كي يمسكوا بذراعيه و يجروا جسده الفاني أمامها , فأخذوه حتى أخرجوه من الغرفة على ذلك الحال الذي جعل رغما عنها الدموع تترقرق في عينيها مع الشعور بغصة ألم كبيرة , فلكم تمنت النهوض و الدفاع عنه , لكن كيف و هي طريحة الفراش في ولادة يبدو أنها تنوي قتلها قبل أن يقتلها أعدائها حرقا .


نظرت لعدوها من بين دموعها المتحجرة القاسية و هي تكز على أسنانها بشدة لم تعد تحس فيها بألم جسدي غير ألم قلبها , و جزمت أنه ارتعش في داخله لنظراتها التي لم يكن هناك أقسى أو أكثر هلعا بسببها , و الذي زاد من خوفه هو أنه كيف لامرأة في ولادة متعسرة قتلت أمامها خادماتها الوفيات و مصير زوجها أصبح بين أيدي أعدائه و حُطم قصرها و شرف عائلتها الملكية و سُلبت منها مملكتها أن تنظر لقاتلها بكل هذه القوة و الشراسة , أن تنظر إليه بشموخ يعلو مع كل ألم يعصف بها , أي ملكة هذه تملك قلبا صلبا من جليد كهذه الملكة الشامخة التي تأسر الجمال بنفسه في وجهها وجسدها الخياليين و الذي زعزعت قلبه من مكانه بقوة حتى وجد نفسه يستدير خارجا من غرفتها و هو يأمر بقية رجاله قائلا :


- أضرموا النار في القصر بأكمله .



بقيت تنظر أمامها و قد أصبحت وحيدة من الأحياء لأنه فقط الموتى من يحيطون بها , و عندها نزلت دموعها على خذيها المرمريتين وهي تشعر في نفس الوقت بألم الولادة و كأنه يحييها من جديد حتى ينهش ما تبقى من قوتها , فضغطت على شفتيها بكل قوتها و هي تئن ألمًا في نفس الوقت , لابد و أنهم قد أشعلوا النار في القصر و بدأت تأكل خارجه قبل أن تصل لداخله , دقائق و ستشم الدخان قبل أن يخنقها أو تكون النيران سباقة إليها فتلتهمها .


- أمي .. جدتي آليا ؟؟



لم تصدق ذلك الصوت .. فالتفتت لناحية الباب حيث كان يطل من هناك ذلك الوجه الأبيض المرتعش هلعا من المنظر البشع الذي أمامها , ملامح الفتاة لم تكن غريبة عنها , لم تكن تراها دوما في قصورها , لكنها تتذكر جيدا أنها آخر الخادمات التي أضيفت لخدمتها هي و أمها الذين ترعرعوا في القصر الرئيسي و لكن أبدا ما كانت تظهر الفتاة كثيرا أمامها فهي كانت ما تزال تدرس مع أبناء الخدم الملكي , تلك الشابة الصغيرة تحضر الآن فاجعة موت أمها و جدتها و كل عائلتها التي بالقصر , غير مدركة أنه يمكن أن تموت هي الأخرى أيضا لو شاهدها أحد القتلة في القصر ما تزال حية .


وجدت صعوبة في الحديث لكنها رفضت أن تفشل في المحاولة الأخيرة لإنقاذ السلالة فها هي بارقة الأمل قد جاءت إليها بنفسها.


- كيف أنهم لم يروك حتى الآن !؟


لم تجبها الفتاة بل اقتربت بخطىً بطيئة مرتجفة من جثة والدتها القريبة من جدتها التي نالت من رشاش القتلة ثلاث رصاصات كاملة في جسدها .. و بقيت الفتاة ترتجف أمام تلك الجثث فاغرة فاهها بصدمة مخيفة حتى جزمت سيدتها أن لصدمتها تلك عواقب وخيمة , لكنها مع ذلك كانت مستعدة للمخاطرة و لذلك قالت لها من بين أنين ألمها :


- لا تخبريني , فلابد أن آليا أخفتك في مكان سري في بداية الهجوم على القصر , إنها تعرف القصر جيدا و كل مداخله السرية , لكنها أبدا لا تعرف كما لا يعرف أحد المخرج السري لخارج القصر , إنه يبقى سر مالكي القصر .


لم تنظر الفتاة حتى ناحيتها فتأكدت سيدتها بأنها لا تستمع لها لأنها تحت وطأةِ صدمتها , و في نفس الوقت أطلقت صرخة ألم مروعة و هي تشعر أن طفلها أصبح أكثر إصرارا الآن للخروج للحياة , بل إنه يريد المحاربة , و الدفاع عن شرف مملكته الذي هُدر بدم باردٍ .


من بين الألم الشديد حاولت التقاط أنفاسها المضطربة و لم تعد تستطيع كتم ألمها أكثر من ما فعلت , قالت لها شبه صارخة و هي تراها ما تزال تحدق في جثة والدتها الغارقة في دمائها :


- كل عائلتك ماتت وستموتين أنت أيضا معي إن بقيت هنا تحدقين في تلك الجثث الدامية , كوني قوية و استمعي لي و نفذي ما سآمرك به , سأنقذك لو أنقذت طفلي , ستخرجين من القصر قبل أن تلتهمه النيران و أنت حاملة ابني بين ذراعيك.




عدل سابقا من قبل مريم_العبد الله في الأحد ديسمبر 11, 2022 6:11 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://aklam-adab777.ahlamontada.com/
مريم_العبد الله
Admin
مريم_العبد الله


المساهمات : 85
نقاط : 215
تاريخ التسجيل : 04/09/2020
العمر : 27
الموقع : مشرفة

ملوك تحت رحمة العشق للكاتبة Maroska Empty
مُساهمةموضوع: رد: ملوك تحت رحمة العشق للكاتبة Maroska   ملوك تحت رحمة العشق للكاتبة Maroska Emptyالجمعة ديسمبر 09, 2022 6:14 pm

الفصل الثاني


"في قاعة الاجتماعات السرية"



_ علينا إطلاق سراحه.


التفتت جميع الوجوه الباردة إلى رأس الطاولة الضخمة التي ضمت عليها في جنح الظلام كل كبار وريثي العائلة ، نظروا إلى ثاني أهم وريث للسلالة ، كانوا يحدقون إليها باستنكار فما كان كلامها معقولا بالمرة ، بل إن بعضهم تجرأ على الجزم أن تكون قد أصابتها علة الجنون كي تفكر في إطلاق سراح عدوهم الذي أفنوا عمرهم و عمر أجدادهم حتى يصلوا إلى هذه المرحلة المتقدمة من مهمة مسح السلالة الملكية الحاكمة عن وجه الأرض


_لا بد بأنه لك سبب لقول هذا


عادت الوجوه كي تلتفت في وقت واحد لناحية اكبر وريثة في سلالة العائلة التي كانت تتصدر الطاولة ، سنها المتقدم وشتى الأمراض التي تعاني منها .. كل هذا لم يمنعها و لو لمرة واحدة من عدم حضورها لأي اجتماع سري للعائلة ، بل إنه لا يؤخذ أي قرار بدون موافقتها ، تظهر دوما بقوتها و شموخها ، و ترفض أن تظل جالسة على الكرسي المتحرك عند حضورها لقاعة الاجتماعات السرية ، فيحملونها حتى تجلس على كرسيها الضخم الذي يليق بمكانتها الرفيعة كما تفعل الآن و هي تنظر إلى ابنتها بهدوء ليس مستغربا من صاحبة الأعصاب الجليدية ، بل المستغرب كيف أنها طرحت سؤال كذاك على ابنتها ، ففكرتها لا تستحق حتى الاستماع اليها فما بالك بنقاشها .


و أكملت كبيرة العائلة كلامها ورغم صوتها الضعيف و الخافت إلا أن الرؤوس انخفضت احتراما و إجلالا لها و هي تقول لوريثة دمائها:


_بكل تأكيد لديك سبب قوي لتقترحي هكذا أمر .. هيا اخبرينا به


_شكرا جلالتك على هذه الثقة التي منحتني إياها


أحنت ابنتها رأسها باحترام و هي تقول ذلك ، كي تضيف بعدها و هي ترمق كل عضو في المجلس على حدة من نظراتها القوية الخبيثة.


نحن نحتجزه لدينا أكثر من ثلاثة أشهر و الأمر لم يفدنا بشيء اذ لم نفلح سواء بالتعذيب الجسدي أو النفسي و آخر التقارير تشير إلى أنه يقول لنا الحقيقة ، إنه لا يعلم مكان إرث الملكية و دون هذا الإرث الذي هو من حقنا لا نستطيع أن نستعيد مُلك بلادنا و اكتساب احترام شعبنا المخدوع بملك ليس من سلالة المملكة و لهذا فإن القرار الصواب أن نطلق صراحه حيث إعدامه يعني إعدام إرث الملكية.


_ و لكن فخامتك لتوك قلت بأنه لا يعلم مكان الارث .


أومأت للأمير لورانت ابن عمها ذي الشعر الأبيض و هو واحد من الذين قد يفنون أعمارهم لأجل استعادة حقهم الملكي .. بهدوء و ابتسامة صغيرة على شفتيها اللتان انفرجتا إلا لتقول : - أجل فخامة الامير لورانت ، هو لا يعلم شيئا عن مكان الإرث الملكي و هذا ليس كلامي بل كلام الاطباء و الخبراء النفسيين الذين يشرفون على حالته ، و لكن ماذا سنستفيد إن قتلناه ؟ فنحن لن نستطيع الوصول إلى مكان الإرث، بينما هو بلى ، يستطيع إيجاده و دلنا عليه ، فمن غير المعقول أن اجداده الذين سلبوا مكانتنا لم يتركوا له اشارات تدله للوصول لإرثنا الملكي.


_تقصدين أنه سيبقى تحت أنظارنا بعد خروجه ، أتعنين أننا لم ننتهي من الحرب بعد ؟

اتسعت ابتسامتها بانتصار وهي تضيف بتلقائية : - لا لم تنتهي الحرب بعد أمير لورانت.


تحدث أمير آخر يستفسر قائلا: - و كيف سنطلق صراحه بكل هذه السهولة ؟ إن هذا لمهين لكرامة العائلة لأنهم سيظنون بأننا نخشاهم لذلك أعدنا لهم ملكهم.


اومأت له برأسها منتصرة عليهم من جديد بأفكارها الشيطانية و هي تقول لهم بثقة بالغة : - سأخبركم كيف و الآن ..


تغضنت كل الوجوه في محاولة لاستيعاب الصوت الذي قاطعهم مدويا في أنحاء القصر ، فنهضوا جميعا واقفين على أقدامهم عدا كبيرة العائلة لكنها مع ذلك رفعت رأسها أكثر رغم رقبتها المعوجة و الهشة ، بقي الصوت العالي يدوي في جميع الأنحاء و خصوصا في تلك الغرفة التي كانت تبدو طاولتها و كراسيها كمن علقت بخيوط خفية في سماء ليلة موحشة.


_جرس الإنذار


ما إن هتف أحد الأمراء بذلك حتى فُتح الباب الضخم الذي أصدر صريرا مزعجا من قبل الحارس الذي بدل كل مجهوده الجسدي حتى يدفعه بالكامل كي يدخل إلى القاعة و بعجلة قام بالتحية الملكية ليبادرهم بعدها : - هجوم مسلح على القصر، يستهدف زنزانة السجين.


........


قواه الخائرة لم تساعده حتى على رفع رأسه و هو يسمع تلك الأصوات الحادة خارج البوابة الحديدية لزنزانته ، بقي على كرسيه المتحرك بجسد شبه ميت من التعذيب و الأدوية و المسكنات التي كانوا يحكمون بها السيطرة عليه ، أجفل بعينيه بتلقائية عندما دوى صوت قوي أصابه بصممٍ مؤقت في أذنيه و جعله يسعل بحدة و ذلك الدخان يملأ الغرفة الصغيرة من حوله كي يغرقه في غمامة لم يستطع معها تمييز شيء حتى الباب و هو يدفع بكل سهولة كي يدخل منه أولئك الرجال المتشحون بالسواد والذين لم تظهر منهم سوى عيونهم السوداء الصلبة ، اقتربوا منه غير مصدقين المنظر الذي لم يتوقعوه حتى في أسوأ كوابيسهم لملكهم القوي ، أحاطوه من كل جانب قبل أن يجثو أحدهم على قدميه بيده حقيبة سوداء صغيرة ، فتحها بسرعة كي يخرج منها حقنة أدرينالين ، حقنها بسرعة في ذراع ملكه المرتخي الذي سرعان ما أحس بالألم الحاد يسري في جسده لكن ما هي إلا دقائق قصيرة حتى جعلته تلك الحقنة السحرية يستعيد قوته التي فقدها بفضل الأدرينالين الذي نجح في إنعاش قلبه.


استوعب الملك الأسير ما يحصل من حوله و فقط من عينَي الرجل الذي حقنه فهم أن الفرج الذي لم يتوقع قدومه قد أتى ، لم يتردد في النهوض من ذلك الكرسي المتحرك لحظة واحدة ، بل إنه أمر أحدهم بإعطائه سلاحه رغم إصرار الحرس على أن لا يجهد نفسه فهم سيقومون بتأمينه ولو على حساب حياتهم، لكن الادرينالين كان قد أعاد له وحشية غضبه الذي سكن في قلبه لوقت طويل منذ أن رأى نفسه ضعيفا أمام أعدائه و هم يريقون دماء عائلته.


خرج يجري بساقه المصابة بين تلك الأروقة المظلمة التي لا تضيئها سوى مصابيح عملية تضاء أوتوماتيكيا كلما مر شخص بجانبها ، و استمر في الركض بين تلك السراديب مع رجاله و عيناه حمراوتان من شدة غضبه ، كان لا يكف عن إطلاق الرصاص على أي شيء يهدد فرصة خروجه من سجنه ، و قتل فقط لوحده عددا من حرس ذلك القصر بقلبه غير الرحيم الذي لم يهتز و هو يصوب رصاصاته في اتجاه الهدف بكل احترافية و بلا أدنى خطأ لاجساد حماة العدو ، لم يكن يدري أن رجاله سهلوا عليه المهمة قبل أن يخرجوه من الزنزانة ، فهم لم يدخلوا ذلك القصر المجهول المعزول إلا بعد حرب دامت لساعات بينهم و بين حراس ذلك القصر حتى استطاعوا التغلب عليهم و أفسحوا الطريق لأنفسهم لإنقاذه ، ولم يبقَ من حماة القصر سوى القليل الذين لفظوا أنفاسهم على يد رصاصات الملك الذي لم يفر من القصر كما يجب عليه أن يفعل بل ترك رجاله يركضون وراءه و هو يصعد درجاته الحجرية و يفتح كل باب فيه بجنون ، أراد لحظتها فقط القتل والقتل ، جال القصر كله هو و رجاله، من سراديبه حتى أبراجه ، لكن لم يجد فيه أحدا و لا حتى رائحة خلفها قاطنوه تدل على مرورهم في أي رواق أو جلوسهم في أي غرفة من غرفه الفسيحة ، و توقف أخيرا بتعب و هو يضرب بقبضة يديه الجدار بجانبه غير مهتم للألم الذي تسبب فيه لعضلة يده فقد كان يشعر بالغضب الشديد من نفسه لقتله جميع الحراس المتبقيين في القصر من دون أن يتريث و يحتجز أحدهم لعله يدله على مكان أعدائه ، ليكتشف من كان يحتجزه في هذا القصر طوال اشهر أذاقه فيها عذابا متواصلا نفسيا وجسديا .


خطا بعد دقائق طويلة من وقوفه عند ذلك الجدار إلى النافذة العريضة ، و نظر عبرها للمنظر الذي كانت تطل عليه ، الغابة ذات الأشجار الكثيفة التي غطتها الثلوج حتى أثقلت أغصانها فمالت بتعب تئن من ذلك الحمل تنتظر متى يأتي الفرج بشمس مشرقة تذوب فيها أثقالها.. ومتى .. متى سيستطيع هو أن يجذب أعداءه إليه ؟؟


_جلالتك كم أنا سعيدة لأني أراك سليما معافا.


استدار بسرعة إلى مصدر الصوت فوجدها واقفة عند الباب الكبير ، بشموخها و هيبتها المعتادة حتى لو كانت الدموع تترقرق في عينيها لرؤيته من جديد بعد أن كادت تيأس و تصدق خبر موته فاحتراق القصر الذي كان يقيم فيه فترة الصيف جعل الكل يقر بذالك الخبر الاليم ، لكنها حافظت على قوتها و هي تقترب منه و كعبا حذائها الصغيران يطرقان الأرض بهدوء، نظرت إليه بعينيها ذات اللون الدخاني للحظات قبل أن تكتم شوقها إليه في داخلها و تقوم بالتحية الملكية له، بعدها رفعت رأسها مجددًا إليه و هي تسأله بلهفة لم تستطع إخفاءها :


- هل هي ما تزال حية جلالتك ؟


حرك رأسه ببرود مخيف قبل أن يجيبها بجمود : - لقد قتلوها و الطفل ما يزال في أحشائها .


زمت شفتيها بقوة حتى تمنع شهقتها من الإفلات من بينهما و ادعت القوة مع أن دموعها اللامعة في مقلتيها تفضحان ألمها و أملها الأخير في إيجاد الملكة قد مات ، استمرت في النظر إليه بجمود قبل أن يقاطع صدمتها تلك قائلا : - كيف وجدتني كونتيسا مارغريت؟


هزت برأسها و قد استعادت رباطة جأشها و ابتلعت دموعها و قالت له و تجاعيدها تتحرك على وجهها برزانة كأنه خُصر يتمايل على أنغام كلماتها : - أنت بمثابة ابني و ليس فقط ملكي ، قلبي لم يصدق و لو للحظة واحدة أن قلبك قد توقف عن النبض .


كلامها لم يكن جوابا كافيا على سؤاله لذلك ردد سؤاله بصوت ناقوسي حاد سببه غضبه و صدمته من كل ما حدث و قلب حياته رأسًا على عقب، فجعله يقسو على مربيته التي لم يعرف غير حنانها في صغره و مشورتها في كبره : - كيف وجدتني ؟


_ليس لدى سلالتنا سوى عدو واحد، .. الدوق مكسيم .


شعر حينها بغصة ألم قوية في حلقه و هو يسمع الاسم ، إنه المجرم مكسيم الذي و للأسف تنحدر زوجته الغالية من نسله القذر و قد وصل به الانتقام إلى جعل الملكة رمادًا تطاير مع الرياح الشتوية اللئيمة .


استدار إلى النافذة من جديد حتى لا ترى الكونتيسا تعابير وجهه المعذبة من ضميره الذي لم يكن ليرحمه ، فهو هُزم أمام أعدائه و تركهم يقتلون زوجته و هي تلد ابنه ، الغضب الوحشي يعتريه خصوصا أن من قتلوها هم عائلتها .


رغم المنطق الذي كان يأمرها بمعاملته بالاحترام الكامل و الرسمية إلا أنها رفضت أن تتخلى عن صوت قلبها الذي كان يتوسلها أن تقف بجانبه كأم تواسي ابنها في أسوأ لحظات حياته و ليس كمربية أو مستشارة ملكية تنتهي مهمتها عند إعطائها للمشورة و النصح ، لقد فقد زوجته و شريكته في العرش و ابنه وريث عرشه و كاد يفقد حياته هو الآخر و لم ينجو إلا بصعوبة حتى يعيش مع ألم الذنب و هدف الانتقام طوال عمره .


_بُني دعنا نذهب إلى قصرك ، الكل في انتظار عودتك .. مملكتك و شعبك .. الجميع سيفرح لأنك لم تسقط ضحية في تلك المجزرة التاريخية.


صاح فاقدا السيطرة على أعصابه و هو يضرب زجاج النافذة بقبضته :- أنا أريد الانتقام و ليس الاحتفال بعودتي .


_ ستفعل بُني عندما تعرف عدوك و تعرف تحركاته ، لأنك ستخسر دوما ما دمت لا تستطيع فهمه بينما هو يعلم كل نقاط قوتك و نقاط ضعفك و يظهر و يختفي متى ما أراد .


استدار إليها ليقف أمامها بهدوء ظاهري ، بينما عاصفة هوجاء تحطم كل ما تبقى داخله من مشاعر إنسانية و هو يقر بصمت بحقيقة كلامها ، فمشكلته أنه لا يعلم من يمنح يد المساعدة لعمه الهارب من المنفى و لا يعلم متى سيظهر له فها هو قتل فجأة عائلته و هشم كرامته كي يرحل أيضا فجأة و لا يترك أي أثر خلفه غير قصر مجهول خالِ، أين هو و من هم الذين يقفون في صفه ؟ و ماذا ستكون ضربتهم القادمة ؟ و كيف يعرف جميع نقاط ضعفهم و قوتهم و هم بعيدون عنه بعد السماء عن الأرض؟ أم أنهم ربما قريبون منه لدرجة لا يبصرهم قلبه مع أن عيناه تراهم؟



بعد ثلاثة أيام.


توقفت سيارة الأجرة السوداء عندما لم تستطع التقدم اكثر بين ذلك الحشد الغفير الذي تجمع عند بوابة القصر الأمامية و الرئيسية ، كان منظرا غريبا ، الكل متشح بالسواد و المظلات السوداء كانت تبدو و كأنها متلاصقة مع بعضها فوق رؤوسهم و قد أصبح لونها أبيضا من الثلج الذي لم يتوقف عن الهطول في ذلك الجو الحزين ، فالبلاد بأكملها في حدادٍ منذ إعلان خبر موت الملك و الملكة و خدمهم إثر هجوم مسلح على القصر الصيفي الذي كانوا يمضون فيه فترة راحة ، و لكن الان , يجتاح البلاد أمل جديد جاء بكافة الشعب الى القصر الملكي الرئيسي للتحقق من تلك الأخبار التي أعلنت فيها رسميا منذ يومين عن عودة الملك ، و أنه لم يمت كما كان يظن الجميع و هو اليوم سيطل عليهم من شرفة قصره الفسيحة .. لذلك الجميع في حالة تأهب و انتظار خائفين من أن تكون الأخبار فقط إشاعة مغرضة ، و مع أن الجو كان قارص البرودة إلا أنهم لم يترددوا في حضور هذه اللحظة كما ستحضرها هي، ليس فقط من أجل أن يطمئن قلبها أن مولاها مازال على قيد الحياة بل كي تُسلمه الأمانة التي تخفيها معها لشهور أليمة .


نقدت السائق ببعض القطع النقدية التي امتلكتها بعد جهد كبير مع أنها تملك بين يديها إرثا لا يقدر بثمن و لا تحتاج معه للعمل و لكنها ليست ممن يخونون الأمانة.


خرجت من سيارة الأجرة السوداء و هي تضمه بين ذراعيها بقوة و سمعت في نفس الوقت سائق الأجرة يترجل من سيارته ، فهو لن يضيع عليه فرصة أن يرى الملك يطل من شرفته و يعود لعرشه، شعرت بالدموع تنزل على خديها بلا توقف و هي ترفع رأسها تنظر للقصر الضخم المهيب الذي لم تعلم له يوما نهاية أو بداية ، فمع أنها ولدت و عاشت فيه إلا أنها كانت تضيع فقط بالتجول في الأروقة المخصصة للخدم ، و حتى مطابخ القصر و غرف تخزين الطعام ، فما أدراها بما هو داخل القصر الذي كان شبيها بقلعة ملكية مرعبة.


ضمته أكثر إلى صدرها ، فقد خافت عليه من نسمات الهواء الشديدة البرودة و التي كانت تلفح دموعها فتجمدها على خديها ، كما أن زخات باردة كانت تتطاير من البحر القريب الذي كان القصر يطل عليه فتحط على وجهها كأنها أحجار مدببة تثقب بشرتها و تشوهها ببرودتها القارسة و خافت أن تصل إلى وجهه الرقيق الصغير هو الآخر ، لذلك نظرت إليه و هو مندس في أغطيته البيضاء التي كانت تحميه بها من البرد و تبقيه مخفيا فيها ، و شعرت بالألم الشديد لأنها ستفارقه ، فلم تتوقع أن تتعلق به بكل هذه القوة في هذه الأشهر المريرة التي كانت تصارع .فيها لإبقائه حيا ، و لكن الوعد وعد و هي وعدت بتسليم الأمانة لأصحابها.



عدل سابقا من قبل مريم_العبد الله في الأحد ديسمبر 11, 2022 6:10 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://aklam-adab777.ahlamontada.com/
مريم_العبد الله
Admin
مريم_العبد الله


المساهمات : 85
نقاط : 215
تاريخ التسجيل : 04/09/2020
العمر : 27
الموقع : مشرفة

ملوك تحت رحمة العشق للكاتبة Maroska Empty
مُساهمةموضوع: رد: ملوك تحت رحمة العشق للكاتبة Maroska   ملوك تحت رحمة العشق للكاتبة Maroska Emptyالسبت ديسمبر 10, 2022 7:58 pm

الفصل الثالث


فُتحت أبواب الشرفة على مصراعيها ببطء رسمي من قبل الحرس , و تعلقت كل العيون بذلك الجسد الطويل الذي خرج إليهم بهدوء فوقف في الشرفة الملكية ينظر إلى شعبه , لحظتها شعرت بأنها الوحيدة من تراه والطفل بينهما , إنها أول مرة تتجرأ فتنظر إلى وجهه فهي لازلت حتى الآن لم تستوعب أنها أصبحت الوسيط بينه و بين وصية زوجته الراحلة .
تأملته بذهول كالحشد الذي تقف وسطه .. كان يبدو قويا مهيبا كالعادة , لم يظهر لهم أي جرح أو أية إصابة به , إذا ما الذي حصل معه بالضبط؟ كيف بقي هو على قيد الحياة و ماتت زوجته ثم كيف عاد بعد كل هذه الأشهر!؟
لكن شرودها تلاشى عندما رفع يديه بحركة صامتة يوقف فيها تهليلات و صياح الناس الفرحة بعودته كي يبدأ خطابه , و ظلت هي تستمع له بكل حواسها و لأول مرة وجدت نفسها مشدوهة تنظر إليه , ليس كجميع الناس المنبهرين بقوته و كلماته النفاذة إلى العقل و القلب و سلطته الغريزية قبل آن تكون وراثية إنما هناك شيء أحست به لم يعد مثل قبل , شيء انكسر و وُلد بداله شيء آخر , فلم تعد العلاقة بينهما بعيدة جدا كما كانت الخادمة عندما ترى مولاها تُحني رأسها و هو لا ينظر ناحيتها أبداَ , لا إنما شعرت هذه المرة أن الكثير تغير و مازال سيتغير .
-سأوقفهم في باحة القصر كي يكون مصيرهم القصاص أمام الجميع، الحرق لهم كما أحرقوا ملكة ووريث عرش مملكتنا مع خدم البلاط الملكي الاوفياء .
كانت تلك كلماته الأخيرة بعد خطاب طويل من التعازي كان واضحا بأنه يقدمها لنفسه قبل أن يقدمها لشعبه كي يعدهم أن يجلب أعدائه إليه راكعين أمامه .
- لم يمت، وريث العرش مازال حيا .
و لكن هُتافها لم يصل لأحد، فتهليلات الناس كانت تُصدر ضوضاءً قوية يستحيل أن يعلو صوتها المبحوح فوقها مهما صرخت .. كانت مشاعرها قد تأججت بهستيرية , فاندست بين الناس تمر بينهم و هي تضم الطفل الذي لم يكن لها الحق في إعطائه أي اسم خاص حتى تناديه به .. بقيت تشق طريقها بعنف بين الناس حتى وصلت إلى الحاجز الحديدي الذي وضعوه الحرس الملكي حتى لا يقترب الناس من بوابة القصر و هناك توقفت تنظر إليهم و إلى ملامحهم التي تفتقد لأي تعبير كان و قرت في نفسها أنها لن تستطيع تجاوز الحرس أو الحاجز الصلب فكيف بها تستطيع تجاوز البوابة الضخمة للقصر الملكي ؟
اقتربت بتردد من واحد من أولئك الحرس و نظرت لعينيه بدموع و توسل كبير و هي تشير له بعدها للطفل النائم بين ذراعيها و تقول بخفوت : - لابد لي من الدخول للقصر .. يجب على التحدث مع فخامة الملك .
نظر إليها بملامح متصلبة كتمثال جليدي و التي يجب عليه أن يوجهها لأي مخلوق كان و لكنه لم يستطع إخفاء نظرة الاستخفاف و الاستهزاء من عينيه و هو يظنها امرأة مجنونة كي تؤكد له هي ذلك بغير عمد منها عندما صاحت بهستيرية امتزج فيها الفرح بالحزن و الخوف و قد كانت حالة خاصة واتتها بسبب الأمل الذي عاد إليها بعودة الملك : - أرجوك دعني أدخل , ثم إنني وُلدت و تربيت في هذا القصر أنا ابنة عاملي البلاط الملكي .. و جدتي تكون هي السيدة آليا التي كانت تهتم شخصيا بأمور الملكة الراحلة .
و أخيرا تحدث الحارس و قد قست نظرة عينيه آمرا إياها قائلا : - من الأفضل أن تكونِ مختلة عقلياً و تذهبي من هنا لأنه إن كان غير هذا فسألقي القبض عليك و ستقعين حينها في مشكلة كبيرة .
نظرت بجمود للحارس فهي لم تخف من تهديده ذاك و لا من شكوكه فيها فما يهمها كان هو إيصال صوتها لفخامته لذلك نظرت ناحيته حيث ما زال يقف في الشرفة و دون أن تُحيد بعينيها عنه صرخت بكل قوتها في الحارس : - علي الدخول إنها قضية حياة أو موت .
للحظة ظنت أن صوتها لم يصله كما لم يصل لذلك الجمع الغفير الذي لم يتوقف عن التصفيق والتهليل لكن حال أن أحاطت بها أيدي الحراس تطوقها حتى رأت نظراته أخيرا تتجه ناحيتها و كأنه أحس بصراخها دون أن يحتاج لسماعه , تعلقت نظراته الرمادية بها , بينما بقيت نظراتها المتوسلة تستجديه دون خجل و لأول مرة دون أن تهرب بسرعة من عينيه .. لكن سرعان ما تبدد أملها و شعرت بنفسها تبكي عندما بدأ الحرس يبعدونها عن ذاك الحشد و كل الذي استطاعت فعله لحظتها هو حماية الطفل بذراعيها من أيديهم القاسية. بقيت عيناه متعلقتان بها حتى أدخلوها من بوابة صغيرة جانبية و هناك سحبوها إلى بناية بعيدة موجودة داخل أسوار القصر و أثناء ذلك بقيت هي متشبثة بالطفل بقوة حتى لا تسقطه في تلك الممرات الطويلة .. بعد دقائق كثيرة توقفوا بها عند سلم طويل و دفعوها بقسوة كي تنزل عليه و لولا أصابعهم الحديدية التي لم تفلتها لكانت قد وقعت أرضا هي والطفل .
مشوا بها في سرداب عميق مظلم لابد أنه يعود بنائه لقرون مضت مثل هذا القصر الذي بني فوقه و الذي كان يرثه ملك عن أبيه , أوقفوها أخيرا عند بوابة حديدة غير مهتمين بصراخها و لا حتى ببكاء الطفل بين ذراعيها و دوى صراخها بهول أكبر عندما سلب أحدهم الطفل منها عنوة .
- اتركه، لا أحد له الحق في لمسه غير جلالته ...
- قلت لك اتركه .
صرخت بذلك ثانية و بقوة أكبر باكية متوسلة أن يعيدوا لها الطفل و لكنهم لم يرأفوا بحالها بل حتى أن عينيها جحظت مرافقة إياها بشهقة فزع عندما رأتهم يفتحون ذلك الباب الحديدي كي يدخلوها عبره , فصرخت أكثر عندما أغلقوا الباب عليها في نفس الوقت الذي بقي الحارس الذي يحمل الطفل خارج تلك الزنزانة , لكنهم أرغموها على كتم صرخاتها عندما أجلسوها بالقوة على كرسي صلب عند الطاولة المعدنية ولا يضيء تلك الغرفة الخالية الباردة سوى مصباح كبير ثبت فوق الطاولة مباشرة , فألم ضوئه القوي عيناها المغرقتان بالدموع .
أحاط بها الحارسين من كل جانب قبل أن يجلس أحدهم أمامها و ظل الآخر واقفا ينظر إليها بعيون مرتابة، فسألها الجالس قائلا :
- من أنت ؟
حاولت تهدئة نفسها وهي تمتم بصوت باكٍ: - باتريسيا
- أعطني بطاقة هويتك الشخصية باتريسيا؟
لم تتردد و هي تجيبه بالحقيقة فما دام الملك عاد فليس هناك ما عليها أن تخفيه و تبقيه سرا كما أمرتها فخامة الملكة .
- ليست معي, لا املك شيئا يثبت هويتي فكل شيء احترق في القصر الذي ماتت فيه عائلتي و فخامة الملكة فيكتوريا .
رفع حاجبيه بريبة كبيرة امتزجت بالذهول و هو يسألها : - تعنين أنك كنت في القصر الذي احترق ؟
- أجل , أخبرتك أنني حفيدة آليا و هي كانت ترافق الملكة أينما تذهب و أنا و أمي رافقناها أيضا لمساعدتها في إنجاز أمور القصر الصيفي الذي انتقلت إليه الملكة مع فخامة الملك من أجل تمضية فترة استجمامهما فيه .
دار من حولها الحارس الآخر ليسألها و قد كان صوته أكثر رزانة و استيعابا لما تقوله من زميله الجالس أمامها بدهشة كبيرة سيطرت عليه : - و لنفترض أننا قد صدقنا قصتك هذه، فكيف بقيتِ أنت على قيد الحياة و القصر قد انهار بأكمله و أصبح رمادا بمن فيه .
نظرت بأسى أمامها للطاولة و قد ظهر أن الألم يطعنها لذكرى ما حصل في ذلك القصر , و أغمضت عينيها بقوة لا تريد تذكر ذلك المشهد المعذب لجثث عائلتها المتراكمة فوق بعضها البعض قبل أن تفتح عينيها فجأة كي تجيبه :
- إنها قصة طويلة لا يمكنني أن احكيها لأيٍّ كان، فقط جلالته من هو مسموح لي بإخباره عن ما حصل في القصر .
و رفعت عينيها إليهما معا تتوسلهما قائلة : - أرجوكما دعاني أراه، من الضروري ان أخبره بما قطعت مسافات طويلة من أجله .
قهقه الحارس الذي كان يحوم من حولها و قد كان يشعر بثقة زائدة بالنفس سعيدا باللقمة التي وصلت بنفسها لفمه، امرأة تلصق بنفسها و لنفسها تهمة قتل الملكة بتصريحها أنها كانت حاضرة في القصر لحظة الهجوم عليه و هذه هي فرصته للترقية عندما يكون هو من أمسك بمن سيوصلهم لعدو العائلة الملكية .
-هل تظنين حقا أنك ستقابلين جلالة الملك !؟
صاحت فيهم بفزع :- إذا لمَ أنا هنا و لما أخذتم مني الطفل ؟؟ هيا أعيدوه لي.
-هل هو طفلك؟ ولماذا أتيت به إلى هنا ؟
كان السؤال الأخير هادئا و صارما من الحارس الذي بقي جالسا أمامها برزانة و قد استعاد رباطة جأشه , مما جعلها تحاول أن تجيبه بهدوء قائلة :- لا استطيع إخباركم شيئا، لكنني سأقول كل ما أعرفه لفخامة الملك بنفسه .
أصيبت بفزع عقبته صدمة قوية عندما ضرب الحارس الواقف بجانبها الطاولة بقبضة يده صارخا فيها :- كفى هراءً فأنت لن تقابلي الملك , إنك تشكلين خطرا على حياته , لابد و أنك واحدة من جواسيس أعدائنا و تنوين المساهمة في قتل الملك كما قتلتم عائلته .
دخل من الشرفة بجمود وهو يشق طريقه بين حرسه الذين وقفوا أمامه , توقف عندما وصل إلى
الكونتيسا الواقفة بصمت تنتظره باحترام كبير , همس لها بخفوت مهيب قائلا :- رأيت حارسين ينصرفان من مكانهما و هما يجران فتاة تحمل رضيعا معها.
- فخامتك, لا داعي لأن تشغل نفسك بهذا الأمر التافه .
قاطعها بقوة من بين أسنانه قائلا :- و بما علي أن أشغل نفسي كونتيسا مارغريت ؟ أريد معرفة أمور رعيتي بالتفصيل , فما تظنينه أنت تافها قد يكون شعلة صغيرة يمكنها أن تحرقنا قبل أن نطفئها .
أحنت رأسها احتراما له تعتذر لكلامها السابق و لكنه لم يطيل بقائه أمامها حتى يستمع لتلك المرأة العزيزة التي ربته و الذي لم يعد يستطيع أن يجد لها في قلبه الميت من أمور الحب والرحمة حتى يعاملها بحنان و احترام كما في السابق , فقد قتلوه بالحياة و أصبح هدفه الوحيد هو مواصلة حكمه و الحفاظ على مملكته و إرث عائلته والانتقام ممن يحاربونه منذ الأزل و استطاعوا تجريده من عائلته .
ظل يمشي في القصر غير مهتم لتحيات حراسه الواقفين عند كل باب ضخم لكل أجنحته وغرفه وأروقته حتى وصل لغرفة المكتب الملكي الغرفة التي تعد تحفة نادرة و عريقة للعائلة الملكية و التي توارثها كل ملك من سلالته أبا عن جد .. دخل مكتبه بملامح جليدية , أغلق الحارس الباب خلفه و حينها فقط استطاع الاختلاء بنفسه فكانت ردة فعله الأولى أن زفر الهواء بغضب كبير.
ترك طاولة مكتبه الاثرية والمصنعة من أجود أنواع الخشب والعاج الثمين والمطعمة بالبورسلين الملكي ونقوش الذهب وتوجه لعرشه المخملي الأحمر المشبع هو الاخر بنقوش بديعة من الذهب الأصفر الخالص , جلس عليه يضع عصاه الانيقة التي يستند عليها وقد كان رأسها عبارة عن منحوتة ثمينة لرأس اليغور الاسود في صورة متوحشة له وهو يظهر انيابه الحادة .. كانت العصا التي بدأ يستخدمها مؤخرا بعد عودته من اسره والتي حرص على الا يخرج مستندا عليها لشرفة حتى لا يرى شعبه جرح ساقه الذي ما زال لم يتعافى منه اثر رصاصة غادرة من العدو .. بقي ينظر للمقاعد الخالية من حوله في تلك الغرفة الواسعة , خروجه لرعيته و ظهوره لهم وحده دون شريكته في العرش و الإرث و الحب والزواج سبب له أذى نفسيا كبيرا.. لقد خان ثقة شعبه و لم يحافظ على ممتلكاتهم و ممتلكاته الخاصة, مات وريث العرش و هو في بطن أمه و أصبح هو الآن وحيدا , يتألم بصمت و يشعر بطعنات مسممة تمزقه من الداخل كلما نظر في عيون رعيته كي يجد فيها نظرات الحزن و الأسى على ملكتهم المحبوبة .. فقد كانت ترافقه فيما مضى أينما ذهب وتقف معه على نفس الشرفة ذراعها تتأبط ذراعه و هي تحدث شعبها بحب صادق و ثقة ملكية و جمال ساحر.
آآه على ملكته .. خلابة الجمال .
كتم تأوهاته العاشقة في صدره و هو يغمض عينيه .. يسند رأسه على كرسيه، و بقي صامتا يعيش في عالمه لدقائق طويلة يتذكر صوت خطواتها و هي تقترب منه تحني بجسدها الذي كان كقطعة من رخام نحتت كل تقسيمة منها بتدقيق شديد الإبداع، غير أن منحوتته تميزت عن كل المجسمات المنحوتة التي تزين قصره بأضعاف مضاعفة .. فهي كانت قطعة حية تشتعل دفئا فقط عندما تكون بين أحضانه و تحت لمساته , لا يمكن أن ينسى نظراته إليها بعيون هادئة بخبث و إثارة و هي تحييه برسمية مع أن باب المكتب كان قد أغلقه عليهما الحارس حال دخولها إليه :
- أتمنى ألا أكون قد أزعجت فخامتك.
- لا تفضلي سمو الأميرة، لقد كنت جالسا أفكر فقط.
كان يمد لها يده يشير لها بالجلوس على الأريكة المخملية الفاخرة بجانب مقعده الضخم ذاك , فما كان منها إلا أن انحنت بجذعها و خصرها المياس وجلست على الأريكة بهدوء و رقي تضع ساقا فوق الأخرى بينما أصابعها البيضاء الطويلة تركتها تستريح على تنورتها الأنيقة و قد تناقض لون قماشها الفاخر داكن اللون بلون بشرة ساقيها المرمريتين ببياض شديد مما جعله يشعر بالحرمان الذي يكره الاعتراف به , حرمان من شيء قرر منذ زمن ملكيته له و هي كانت تعرف جيدا بقراره ذاك حتى و إن لم يعلن عنه بصوت عال إلا أن نظراتها هي الأخرى كانت تؤكد له أنها سعيدة بتلك الملكية و لكن الشخص الوحيد الذي يقف عائقا بينهما هو ما يجعلهما يبقيان مشاعرهما طي الكتمان .
- تبدو مهموما هذه الأيام يا صاحب الجلالة.
حاول الابتسام في وجهها ، لكن ابتسامته لم تكن أكثر من شق رفيع اتخذ طريقه على طول شفتيه و هو يبادرها قائلا:
- لست مهموما بقدر ما أنا شارد في التفكير ؟
أسبلت عينيها ذات الرموش الكثيفة و الطويلة و التي ظللت جفنيها البيضاء بسواد مغر حد سيل اللعاب زادته صعوبة في تقييد مشاعره كما يتطلب منه مركزه الملكي عندما حاولت بحركته تلك إخفاء ابتسامتها الخلابة التي مع ذلك لم تفرج عن شفتيها المكتنزتين كما كان يتمنى بداخله و هي تسأله :
- إذن هل أستطيع أن أسأل جلالة الملك عن ما يشغل تفكيره؟
كتم تنهيدة عميقة رغب في إخراجها من أعماق قلبه قبل أن ينهض من مكانه واقفا يطل عليها بقامته الفارعة الطول متملكا المكان بهيبته الملكية و الجسدية و الروحية , نظرت إليه حينها و أرادت الوقوف احتراما له كما تجب عليها عاداتها الملكية , لكنه كان أسرع منها عندما منعها من ذلك بإمساكه بكلتا ذراعيها يحثها للعودة جلوسا على الأريكة ففعلت وعيناها لا تفارق عيناه بصمت شحن الأجواء بينهما و هي ترى بوضوح أيضا جذعه الذي أحناه معها حتى قابل وجهه وجهها و لفحت أنفاسه الحارة المشتعلة وجهها و ملامحها البيضاء المتناسقة بافتتان مثير و مخملي في آن واحد .. لم يكن ليستطيع إيجاد كلمات مناسبة تصف جمالها , فحتى كتب الإغريق و هي تصف جمال ملكاتهم الساحر لم تكن لتنفعه بمفرداتها النادرة و الخاصة بوصف سحر ملكته هو , نظر لعينيها الشبيهتين باللؤلؤ الأسود ذو البريق النادر .. تنك العينين التي ليس لهن شبيه في العائلة الملكية بأكملها بل هي الوحيدة المتفردة بذلك اللون الداكن الذي يشعر الناظر إليه أنه محاط بالأسرار لا يجرؤ أحد على محاولة استكشافها إلا هو .. هو الذي أعطى الحق لنفسه بامتلاكها .. امتلاك أكثر حسناوات نساء العالم و أسمى الأميرات جمالا و حنكة و ذكاء ممتزجا بقوة طاغية.
لمعت عيناها لذلك القرب الذي كان واقعا بينهما، واغترت أنوثتها بحب الملك الشاب لها، وهو يكلمها بصوت هامس مبحوح أصبح كلغز محير لها في الوقت الذي هي قادرة فيه على فهم كلماته بالحرف الواحد:
- سمو الأميرة، تعلمين جيدا الشخص الذي تجرأ وسلب عقل الملك و شوش أفكاره .
اتسعت ابتسامتها الهادئة الذي يعلم تمام العلم كم تخفي خلفها من الذكاء و المكر الخاص بها و هي تجيبه :
- يستحق العقاب الشديد لتجرؤه التطفل على عقل فخامة ملكنا .
خرج من شفتيه صوت قصير ساخر قبل أن يردف :- لا أستطيع معاقبتها بل إنني أريدها بجانبي يدا بيد، أريدها زوجة لي يا فيكتوريا , فما الذي يمنعها من الموافقة على إعلان حبنا أمام عائلتنا و أمام شعبنا ؟ أخبريني يا فيكتوريا ما الذي يمنعها من مشاركتي الحكم ؟
تلاشت ابتسامتها و سعادتها كي تنظر إليه بحزن و هي تقول بمرارة :- غير ممكن يا صاحب الجلالة.
بقي على تحديقه بها و اقترب أكثر منها حتى ابتدأت تفقد سيطرتها على أنفاسها و تماسكها , فاضطربت أنفاسها و هي تراه يبعد شعرها الأسود عن رقبتها كي يمرر سبابته بإغراء على طول عروق نبضها الزرقاء اللامعة تحت بشرتها ناصعة البياض و يهمس بثقة قائلا :-انظري كيف أن الدم الأزرق الملكي يجري في عروقك كما يجري في عروقي يا ابنة العم, أليس هذا هو الشرط الأهم في قانون الملكية لتحقق زواجنا و مشاركتك لي الحكم.
لم يرف لها جفن و هي تقول له :- كيف أشاركك حكما متنازعا عليه ؟
أبعد يده عنها ببطء و قد صدمته وقاحتها معه , فحتى لو كانت قد تربت معه في قصر واحد إلا أن هذا لا يشفع لها أن تناقشه في أمر كذاك, إذ أنه دوما كان مفروضا على الجميع الإبقاء على حدود واضحة مع ولي العهد منذ ولادته , فهو كان سيخلف الحكم بعد والده , و لكن مات الأب كي يحاول عمه الثوران عليه و الطعن في قدرته على تولي حكم البلاد .
وقف على قدميه مبتعدا عنها ينظر إليها بشراسة كبيرة , و عيناه يتطاير منهما شرر أزرق رمادي , نظرت إليه بشموخ في الوقت الذي كان يحذرها بغضب قائلا:
- الحكم لي أنا , ليس هناك أي فرصة كي ينازعني فيه أي أحد حتى و لو كان والدك .
رأها تنهض من مكانها بهدوئها الكبير ذاك ثم تنظر إليه باحترام رسمي و تقول بثقة :- و لا أنا أقول غير هذا يا جلالة الملك .
نطقت لقبه الملكي بتشديد تؤكد له فيه بأنها تقف في صفه و بكل قوة ثم أكملت قائلة :- الحكم لك أنت يا من كنت منذ ولادتك وليا للعرش , أنا و شعبك نثق بك , لكن لا أدري ما الذي حصل لوالدي منذ أن توليت الحكم , يبدو كمن دخل في حالة هستيرية من الجنون حتى يريد الاستيلاء على شيء لم يكن له يوما .
رفع رأسه أكثر و هو يقول بصوت لا رحمة فيه :- اعلمي أنه لو حاول الإعلان عن أفكاره تلك , فأنا لن أتوانى عن توجيه تهمة الخيانة له و محاولة إثارة الفوضى على ملك البلاد و عليها فسيكون الاعدام مصيره .
لم تظهر له ألمها لقسوة كلماته , بل كانت امرأة واقعية قوية , تعترف بالحقيقة حتى لو كانت ستؤلمها لذلك أجابته بصوت جليدي :- أنا مع كل قراراتك الصائبة يا صاحب الجلالة لأني لا أخون ملكي و مقتنعة بحكمه تمام الاقتناع .
- فخامة الملك ألكسندر.
انتفض في مكانه بقوة كي ينهض واقفا على قدميه ينظر خلفه , صوتها حطم مشهد ذكرياته فجأة حتى أنه وبسبب استغراقه في الماضي بعمق لم يتعرف على نبرتها للوهلة الأولى , اعتمر الغضب بداخله و هو يفكر بصمت قائلا ( هل حتى في الذكريات يريدون حرمانه من ملكته فيكتوريا ؟)
صرخ في وجه الكونتيسا الذي كان ملوعا بالقلق عليه :-كيف واتتك الجرأة لدخول مكتبي دون إذن مني ؟
تلونت ملامحها بالصدمة قبل أن يكتسي البرود ملامحها و تجاعيدها التي تضاعفت لحظتها و هي تقف بكبرياء تعتذر منه :- أعتذر جلالتك , لقد طرقت الباب عدة مرات و لكنك لم تجبني فقلقت عليك .
زفر الهواء بقوة يهدئ من نفسه قبل أن يقول لها ببرود :- أنا بخير كونتيسا , موتها لن يحطمني بل إنه يقويني للانتقام لها .
كلماته تلك جعلت أساريرها تنفرج ليس لحزنه بل لأنه بتلك الكلمات القليلة أفصح لها عما يجول في خلده , مما جعلها تقترب منه أكثر و تقف أمامه تقول له بتعاطف كبير :- أعرف أنك لن تتخلى عنا و عن شعبك فنحن نحتاجك مع أننا كلنا متألمين لموت ملكتنا .
لم يحدثها بل بقي ينظر أمامه بجمود و لم يكن خفيا عليها أن شروده قاده إلى ذكراها من جديد , مما جعلها تضع بهدوء يدها على كتفه ففاجأها أنه نفض كتفه و ابتعد عنها كي يتوجه إلى طاولة مكتبه و قبل أن يدور حوله و يجلس على كرسيه قالت له : - لم يحطمك موتها ولكنه غيرك , أصبحت قاسيا جلالتك , فمنذ متى ترفض وقوفي بجانبك و أنت الذي كنت دوما تعتبرني أمك الثانية و يدك اليمنى في الحكم , حتى في أمورك الشخصية و مع فيكتوريا بالضبط كنت أنا أول من علم بحبكما.
لم يجبها , بل ظل على صمته ينظر إلى طاولة مكتبه وعندها زفرت الهواء بضيق و ألم لمعاملته الجديدة لها , و كادت تستسلم لألمها لو لا أنها سمعته أخيرًا يحدثها بهدوء قائلا :- ما زلتِ أمي و ما زلتِ كاتمة أسراري كونتيسة و لن اسمح لأحد بإيذائك , و لكنني الآن لا أستطيع تقبل أحد بجانبي لأنه ليس هناك كائن يستطيع أن يحس بما أحس به أنا الآن بعد فقدانها إلى الأبد .
ارتعشت عينيها الذابلتين و هي تسمعه لأول مرة منذ عودته يعترف لها بمدى ألمه لفقدان زوجته فسارعت لمواساته قائلة بسرعة :- ولكن أنا أشعر بك ...
قاطع كلماتها بصرامة و هو يدور حول مكتبه كي يجلس خلفه و قد استعاد جموده و قسوته المخيفة :- أخبريني عن سبب مجيئك ؟ أظن أنك تحملين لي تقريرا شفهيا عن ما حصل اليوم في ساحة القصر
أومأت له برأسها باستسلام و هي تقترب منه كي تتغير ملامحها من الضعف و الحزن إلى العملية و الصرامة :- أم لرضيع برفقتها أو هذا ما يعتقدونه الحراس الذين أدخلوها للقصر للتحقيق معها بعدما أرادت تجاوز الحاجز الذي كان يفصل القصر بالمتجمهرين حوله .
- ولماذا كل هذا ؟
- في الحقيقة الأمر غريب , فعلى حد قول الحرس الملكي أنها أخبرتهم برغبتها الشديدة في الحديث إليك .
و توقفت الكونتيسا تنظر إليه لبرهة زمن كأنها تحاول استكشاف ردة فعله الذي لم تعلن عنها ملامحه الباردة قبل أن تستسلم لجموده وتضيف:- شخصيا أجد الأمر تافها جدا حتى يصل لجلالتك , ما حدث في القصر الصيفي عاد بآثار سلبية على شعبك , و كما تعلم الكل يحمل الولاء الكبير للعائلة الملكية و تلك الفتاة ليست أكثر من أولئك الذين أصيبوا بالهستيرية لفقدان ملكتهم التي يقدرونها كثيرا و لهذا ستكون قد نسيت أنه لا يمكنها أن تواسي الملك بنفسها.
- ستكون .. لا بد لها .. أظن أنها.... كان يردد كلماتها تلك بتهكم غاضب ثم يضيف بعدها :- ألا ترين أن كل ما أخبرتني به هي آرائك الشخصية بينما أنا طلبت منك أن تجلبي لي وقائع لا ظنون.
كانت تنظر إليه بصدمة غير مدركة لفغرها لفاها و هي تراه يرمقها بعدم رضا , أول مرة تشعر بنفسها فاشلة بتنفيذ خدمة ملكية , تداركت نفسها أخيرا كي تقول له بنبرة تحمل من الخزي الكثير :- اعتذر فخامتك , لم اقصد أن أقصر في خدماتي .
- إذا اخبريني حقيقة تلك الفتاة , سبب رغبتها في الحديث إليَّ و هي تعلم تمام العلم أن هذا غير ممكن .
ترددت في الحديث مما جعل نظراته تقسو أكثر , في الأخير أخبرته بما كانت متأكدة أنه سينبش في جروحه :- ما أخبروني به أنها تدعي قرابتها بآليا المسؤولة الرسمية عن وصيفات الملكة الراحلة والتي قضت حتفها أيضا في القصر الصيفي , كما أن الفتاة المجهولة تقول أنها كانت برفقة عائلتها ليلة الهجوم والحريق .
- ماذا !؟
صاح بذلك واقفا على قدميه , ردد سؤاله من جديد غير قادر على الاستيعاب :- ما الذي تقولينه ؟
رمشت بجفنيها بارتباك و قد شعرت باضطراب في تنفسها وهي تكمل:- أنا بنفسي تفاجأت و لكن الحارس أخبرني أن هذا غير ممكن فلم ينجو أحد غيرك فخامتك من ذلك القصر , القصر احترق بكل من فيه ثم أنني طالبتهم من التأكد من هويتها و أنا بانتظار ردهم.
- كل هذا ولا تعلميني به
تزايد ارتباكها أكثر و هي ترى غضبه يشتعل بقوة فيه , حتى أصبحتا عيناه سوداويتان من الغضب و أصابعه مضمومة لبعضها مكونة قبضتين من حديد يوشك على تحطيم بها كل شيء أمامه .. ألمها منظره ذاك وكيف أنه اصبح شخص مختلف عن الملك الهادئ القادر بالسيطرة على نفسه في أحلك الظروف ولكن يبدوا بان موت زوجته وابنه هما الضربة القاضية التي تلقاها في حياته.
- أخبرت فخامتك أني لم أرها , أرسلت فقط حارسا من القصر حتى يأتي لي بأجوبة عن أسئلة جلالتك و هذا كل ما أعلموني به , و هم أيضا غير متأكدين كما أنهم ما زالوا يحققون معها و لم أُريد تشويشك و إيلامك بأمر سيعيد لك تلك الذكرى المشؤومة .
حرك رأسه غير مصدق لِكم الهفوات التي بدأت الكونتيسا ترتكبها في الآونة الأخيرة , فموت فيكتوريا على ما يبدو قد أثر على عقلها و ذكائها المعهودة به أكثر مما كان يظن . دار حول مكتبه متوجها للباب بنية الخروج منه و قبل أن يفعل سمع سؤالها ترن فيه نبرة القلق :- هل تنوي التدخل في هذا الأمر بنفسك يا صاحب الجلالة؟
استدار إليها بقوة و حدة في آن واحد كي يرمقها بنظرات غاضبة قبل أن يهتف قائلا :- أجل و سأذهب إليها بنفسي .
أصابتها كلماته بالبكم لثانية واحدة قبل أن تهتف قائلة :- جلالتك لمَ عليك أن تذهب بنفسك ؟ يمكنني أن آمر بجلبها إلى هنا حتى تراها في مكانك.
قالت ذلك و لا تعرف كيف , المهم أن ذلك أفضل من ذهاب الملك بنفسه لمكان كذاك .. السجن و التحقيق حتى لو كان داخل أسوار القصر , مع أنها في الأصل كانت رافضة أن تُدخل الملك في أمر كهذا .. تعلم أنه خطير لأن الحارس نقل لها شكوك الأمن الذين ألقوا القبض عليها .. فكلامها عن القصر و الهجوم المسلح غريب جدا و يدعو للارتياب , لكن ماذا كان باستطاعتها فعله غير الكذب على فخامة الملك حتى لا تشغله بدوامة لا يُعلم لها بداية من نهاية حتى تكتشف هي بنفسها جميع حقائق هذه الفتاة , فالملك يتعذب لما حصل و كل شيء سيُثار عن ذلك الهجوم سيزيد من جنونه و غضبه و قد يفقده هذا تريثه و حنكته في التعامل مع أمور خطيرة كهذه .
لم يجبها الملك الكسندر حتى أنه لم يلتفت إليها بل واصل مشيه حتى فتح الباب بقوة , تجاهل تحية الحارس و استمر في خطواته القوية رغم ألم ساقه وغير مهتم بخطوات الكونتيسا خلفه والتي رغم سنها المتقدم كانت تحاول بأقسى ما لديها اللحاق به بعد أن أبدى إصراره في الذهاب بنفسه إلى تلك الفتاة .
خرج من القصر و مشى في ساحته تحت أنظار حراسه المذهولين و هو يتوجه إلى جناح الأمن البعيد و القريب من الأسوار الضخمة للقصر رافضا حتى ان توصله العربة الملكية الى هناك , عند باب الجناح سأل الحرس الملكي بحدة و اختصار قائلا :- أين الفتاة ؟
- في الداخل سيدي 
- أرشدني إليها .
أمره بذلك كي يسرع الحارس في تنفيذ أمر سيده و هو يمشي معه في تلك الممرات المتشعبة حتى دخل به أحد الأبواب حيث تجاورت غرف كثيرة ببعضها كلها مقفلة بأبواب من حديد كان يعرف الملك جيدا ما تعنيه للقصر .. توقف به الحارس أمام الباب الحديدي الذي يحتجزون خلفه تلك الفتاة , فتح له الباب بسرعة كي يفسح المجال للملك حتى يدخل , و حال أن تجاوز الملك عتبة الباب حتى وقف هناك ينظر إلى الحارسين ذو الرتبة العالية في الحرس الملكي والذين استقاما واقفين بسرعة وارتباك و قد صدمتهم مفاجأة وقوف الملك بشحمه و لحمه أمامهم في تلك الغرفة الباردة الموحشة .
- صاحب الجلالة .. الملك الكسندر.
تجاهل حارسي الأمن عندما لمحت عينيه الحادتين ذلك المعطف الأسود الرث و الواسع و الذي تهدل على الجسد النحيل الوهن يغطيه حتى أسفل الركبتين المرتعشتين .. انحنت احتراما له قبل أن ترفع وجهها إليه , فنظر إلى ذلك الوجه الشاحب الهزيل والعينين الرماديتين تجري منهما الدموع على وجنتيها وهي تنظر إليه بحرج و ضعف و ألم خلف كتفي الحارسين ضخمي الجثة.
اقترب منهما بهدوء كي يتوقف بقربهما يطالبهما الابتعاد من أمامه بحركة من رأسه فتحركا كل يقف عند جانبه , و عندها استطاع أن ينظر إليها كلها من أخمص قدميها حتى منابت شعرها الذي كاد يشبه البياض من شدة شقرته , كان يبدو عليها المرض و الألم , و استطاع بوضوح أن يلمح جسدها يرتعش كورقة تلعب بها الرياح في جو عاصف , بقي يحدق مطولا فيها و قد طغى صمت مهيب على المكان إلا من شهقاتها الخافتة و أسنانها التي كانت تصطك ببعضها , و تساءل وهو ينظر لحالها المزرية ( أهذه الطفلة الصغيرة الرثة التي يدعو منظرها للشفقة , أهذه حقا التي تبدو كالمتشردين يمكن أن يكون لها يد فيما حصل لزوجته ؟ و في الفوضى التي عمت روحه و بلاده !؟
تحدث أخيرا إليها بصوت جليدي آمر :- أعلموني أنك جئت بغاية الحديث إليّ , و ها أنا ألبي رغبتك بنفسي الآن , فأخبريني عما تحملينه لي في جعبتك.
أسبلت أهدابها التي كانت تكاد لا تظهر بسبب شقرة لونها الشديد كي تقول بصوت بالكاد وصل لمسامعه من ضعفها و خجلها الممتزج بالخوف :- لا أستطيع إخبارك بشيء إلا و نحن على انفراد تام يا جلالة الملك.
شعرت بالخوف أكثر لما قالته , و لذلك طأطأت رأسها بصمت غير قادرة على مواجهته ظنةً أنه سيثور غضبا الآن غير مصدقا وقاحتها و هي تشترط عليه شروطا للحديث معه , لكنه فاجأها عندما قال بهدوء :- انصرفوا أنتم و دعوني وحيدا معها .
- ولكن فخامتك نحن لا نعرف هويتها الحقيقة بعد .. قد تكون...
توقف الحارس عن الكلام عندما استدار إليه سيده بغضب يقول له :- ماذا ؟ تعتقد أنها ستشكل خطرا علي إن بقيت لوحدي معها ؟ هل أبدو لك غير قادر على البقاء وحيدا دون حمايتكم حتى مع فتاة صغيرة هزيلة مثل هذه !؟
طأطأ الحارس رأسه بخجل قبل أن يستأذن و يخرج هو و زميله , و عندما أقفلا الباب ورائهما استدار الملك الكسندر من جديد إليها و سألها قائلا :- ما اسمك ؟
من دون أن تنظر إليه أجابته بصوت مرتعش:- اسمي باتريسيا.
- إذا باتريسيا أخبريني بالأمر المهم الذي خاطرت بحياتك مع حرس القصر من أجل إيصاله لي .
لاحظ كيف نظرت إليه لجزء من الثانية قبل أن تبعد عينيها الدامعتين عنه و تنظر للأرض غير قادرة على الحديث فأمرها بهدوء مفاجئ :- اجلسي باتريسيا .
نظرت إليه ببلاهة قائلة :- ماذا ؟
بقي ينظر إليها بعيون ضيقة و قد بدأ ينفد صبره , قبل أن تفهم نظراته و تحني رأسها بسرعة معتذرة :- آسفة , سأجلس بعد .. فخامتك .
- قلت لك اجلسي .
كادت الشهقة تخرج من بين شفتيها لصوته الحاد و النزق و هو يأمرها للمرة الثانية بالجلوس , و بعدها أغلقت فمها و ذهبت بصمت تجر الكرسي بجانبها حتى تجلس عليه ..
أصدرت قوائم الكرسي الحديدية صوتا مزعجا للغاية فضغطت على شفتها السفلى بطفولية وهي تسترق النظر إليه بخوف , وجدته غير مهتم بطريقتها الخرقاء في جذب الكرسي بل كان هو الآخر يجذب كرسيا بهدوء وثقة غير مصدر آية صوت حتى لو كان صغيرا و رغم أنه كان قد أمرها بالجلوس أولا إلى أنها تباطأت في حركتها عمدا حتى جلس هو فجلست هي بعده مباشرة , تشابكت أصابعه ببعضها و هو يضع يديه على الطاولة أمراً إياها :- أخبريني الآن من تكونين باتريسيا ؟
تجرأت على رفع عينيها و نظرت مباشرة لعينيه الضبابيتين التي كانت كلوحة فنية نادرة لقصره الذي يشبه قلعة على منحدر جبلي يكسوها الضباب في أيام الشتاء الطويلة .. أخافتها نظراته الثاقبة و المحدقة بها بلا توقف ، لكنها مع ذلك أبقت على نظراتها الخجولة دون أن تشيحها عنه وهي تقول له : " أنا أكون ابنة ...
طأطأت برأسها تخفي دموعها التي لمحها رغما عنها لتَذكرها موت عائلتها بينما هو لم يرف له جفن و هو يسألها دون أن يهتم للاسم الذي كانت على وشك أن تقوله لأنه سبق وعرفه من الكونتيسا :- لم أراك من قبل .
خرج صوتها متهدجا و هي تجيبه :- هذا لأن عائلتي فقط من كانت تعمل داخل القصر أنا كنت أدرس مع أبناء خدم القصر .
لم تدرك حقيقة انه كان يجاريها فقط في حديثها كي يكشف حقيقتها عندما قال لها بهدوء مريب:
- إذن تعلمين بأن عائلتك كلها ماتت ؟
تدفقت دموعها بكثافة من عينيها وهي تومئ برأسها فقط قبل أن تقول بصوت متقطع باكٍ:- رأيتهم ميتون أمامي كان ذلك في غاية البشاعة .
تغضنت ملامحه و ازدادت الحدة في صوته لشعوره بالارتياب الشديد من تلك الفتاة التي بدا عليها أنها تعلم أكثر مما يعتقد , و أن قدومها سيكون له نتائج عظيمة.
- كيف رأيتهم ؟
تدفقت الكلمات منها بقوة بسبب الألم الذي تهيج داخلها , و أصبحت فقط تتكلم و تتكلم عن الذكرى التي كتمتها في قلبها كل الوقت الفائت .
- كنت في القصر عندما عمت الفوضى فيه و قد أحاط به المسلحين المجهولين , حينها أخذتني جدتي من بين زميلاتي بنات الخدم في القصر و أخفتني في الساعة الضخمة التي كانت تتوسط جدار أصغر أجنحة القصر, لم يكن أحد من الخدم غير جدتي يعلم ان باب الساعة تلك يمكن ان يخفي جسد انسان بكامله.
قاطعها بوجوم يخفي خلفه الذهول ولم يكن يحتاج أكثر من ما قالت كي يعرف عن أي ساعة كانت تتكلم لمعرفته الدقيقة بكل تفاصيل قصوره الملكية:- كنت مختبئة في صندوق الساعة الأثرية وقت الهجوم إذن.
- أجل.
قالت ذلك و هي تهز برأسها بقوة قبل أن ترفع أناملها لوجهها و تمسح دموعها مع أن ذلك لم يكن مجديا إذ سرعان ما نزل شلال آخر من الدموع لقولها :- لقد خرجت من مخبئي عندما لم أعد أسمع أية أصوات , كنت أيضا خائفة جدا على عائلتي و غير فاهمة لما يحصل , كان ذلك فظيعا و أنا أقفز بين الجثث المشتتة في القصر , عدد كبير منهم أعرفهم فقد كانوا عاملين في القصر , لم أصدق عندما سمعت صوتا يدل على الحياة في ذلك القصر .. كانت تأوهات و أنين ألم يصدر من غرفة واسعة جدا .. لم أعلم أنني ولجت الجناح الملكي إلا عندما رايتها ممددة على السرير وجدتي و أمي كانوا....
لم تستطع الإكمال إذ غالبتها شهقاتها الباكية , قبل أن يقاطعها هو و يجمدها في مكانها حتى من صوتها كتمه عندما أمسك بذراعها فيفاجئها أن هزها بقوة صارخا في وجهها :- أتعني أنك رأيتها !؟ رأيت زوجتي!؟
عاود الصراخ في وجهها بنفس السؤال, فأومأت أخيرا له بذهول في عينيها و هي ما تزال تشعر بقبضته تسحق عظام ذراعها , و اعتلى الذهول عينيه هو الاخر فأطلق سراحها و هو يتمتم بعدم تصديق:- رأيتها قبل أن تموت هي و طفلي ؟
- لكن الطفل .. لكن الطفل لم يمت , لقد ولدته في لحظاتها الأخيرة من الحياة .





الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://aklam-adab777.ahlamontada.com/
مريم_العبد الله
Admin
مريم_العبد الله


المساهمات : 85
نقاط : 215
تاريخ التسجيل : 04/09/2020
العمر : 27
الموقع : مشرفة

ملوك تحت رحمة العشق للكاتبة Maroska Empty
مُساهمةموضوع: رد: ملوك تحت رحمة العشق للكاتبة Maroska   ملوك تحت رحمة العشق للكاتبة Maroska Emptyالأحد ديسمبر 11, 2022 6:09 pm

الفصل الرابع




ظل متصلبا جامداً في مكانه ينظر إليها بلا حراك وذاك ما زاد من ارتباكها بشدة وأخافها، لكنها بدل أن تصمت استمرت في الحديث ظنةً بأنها بذلك ستطمئنه وتخفف عنه هول الصدمة بقول الحقيقة.



- ولدت فخامتها ولي العهد بصحة جيدة، ولكن في المقابل ساءت صحتها كثيرا، كانت تموت وهي ترشدني لباب سري في الجناح الملكي حيث يؤذي ذلك النفق الضيق الطويل الى خارج القصر من دون أن يستطيع أحد رؤيتي، وسلمتني طفلها آمرة إياي بحمايته فهو وريث العرش.



احنت برأسها تنظر لطاولة في الوقت الذي تسربت دمعة ثقيلة على وجنتها .. مسحتها بسهولة بدت بوضوح بأنها تتمنى لو تستطيع بنفس تلك السهولة مسح ذاكراتها أيضا، ذكرى تسليم الملكة ابنها لها ووثوقها بها رغم انها لم يسبق لها حتى التحدث إليها من قبل، ذكرى خروجها من القصر باكية خائفة تجري في الغابة وهي تضم الى صدرها الرضيع الذي ولد لتوه ملتفا بأغطية حملتها من غرفة الملكة تاركة إياها تلفظ أنفاسها الاخيرة قبل أن يخنقها الدخان الذي بدأ يتصاعد مع جدران القصر، وعندما تعبت من الركض توقفت وصرخات الطفل تتعالى في الغابة ونظرت الى الافق حيث القصر الذي بقي خلفها يحترق بالجثث، جثث أهلها وجثة ملكة المملكة من غيرها هي ووريث العرش الذي ما ظنت نفسها يوما أنها ستكلف بمهمة مصيرية في إيصال الطفل للقصر الملكي الرئيسي.


رفعت عينيها من على الطاولة بغير تصديق عندما سمعته يتكلم بالهدوء الذي يسبق العاصفة مما جعلها ذلك ترتعش بقوة ألمتها:


-هل تعنين بأنك تركتها حتى تلتهمها النيران في القصر وهي ما تزال حية؟



-جلالة.....



أجفلت بفزع عندما قاطعها بضربة قوية من قبضة يديه على الطاولة وهو ينهض واقفا، رأت العصا التي اسندها على الطاولة تسقط أرضاً محدثة جلبة مزعجة، قبل ان يقترب هو منها بدون مساعدة عصاه الثمينة التي لم تلاحظ من قبل أنه يستند عليها بسبب دخوله الزنزانة بذلك الشكل المهيب وحيث كان لأول مرة عليها ان تتعامل مع الملك ألكسندر بنفسه، لم يظهر عليه العرج وهو يمشي إليها بسبب الغضب الذي جعله كالمتوحش ،ولم تظن يوما بأن الملك يصبح على ذلك الحال الغير مقبول لمكانته، أمسك بياقتي معطفها، فصرخت رغما عنها رعبا ولكنها كتمت صرخاتها وهي ترتجف بين يديه عندما جذبها لكي تقف على قدميها، كان صراخه في وجهها كزئير الاسد: - كيف استطعت، كيف واتتك الجرأة على تركها تموت هناك ثم تخرجين من القصر؟؟



حاولت الدفاع عن نفسها تتمتم من بين شهقاتها وهي مازلت في نفس الوقت غير فاهمة لذلك القرب بينهما الذي صدمها: - انا توسلتها .. وحاولت مساعدتها .. ولكنها لم تكن تستطيع مرافقتي، بنفسها آمرتني أن أدعها وأرحل، افهمني أرجوك.



-كيف تريدين أن أفهم بأنه كان باستطاعتك مساعدة زوجتي ومولاتك ولكنك انقذت فقط نفسك وتركتها تُحرق.


صرخ بذلك وهو يدفعها بقوة الى الجدار البارد خلفها، فتأوهت ألما لاصطدام ظهرها بقوة بالجدار الصلب لكي تشهق شهقة اخيرة قبل ان يقبض على رقبتها بقبضة من حديد، ويغرس اصابعه في بشرتها الرقيقة الشاحبة .. كانت تختنق وترى الموت أمامها في عينيه الجاحظتين مستمرا في صراخه: - أنت لا تعلمين ماذا فعلت بمجيئك ألي بكلتا قدميك، أنا سأقتلكِ، سأقتل بيدي الخائنة التي بسببها ماتت ملكة البلاد.



كانت تريد الكلام والدفاع عن نفسها، كانت تريد القول له بأنها ترجت الملكة أن تحاول الصمود ومرافقتها ولكن النار ابتدأت تشتعل في القصر والملكة كانت ضعيفة جدا لدرجة انها بدأت تفقد وعيها فكيف كان بإمكانها الوقوف واتخاذ ذلك الممر السري الضيق معها للخارج؟؟ كانت تريد ان تصرخ بأن الملكة بنفسها هي من آمرتها ان تأخذ ابنها وتخرج فالاهم هو ولي العهد ولكنها لم تستطع قول كل هذا لأنها كانت تختنق والهواء لم يجد طريقا الى رئتيها، كانت تموت بين يديه وبيديه حتى انها اغمضت عينيها استسلاما للموت وألم خنقه لها، وظنت بأنها فارقت الحياة عندما شعرت بالراحة تعود إليها رغم أن الألم كان يشوبها، ورويدا رويد احست بأن الدماء تعود للتدفق في عروقها من جديد وعندها فتحت عينيها فوجدته واقفا أمامها بصمت وقد كان هو من سحب قبضتيه من على رقبتها وليس لأنه قتلها فشعرت بالراحة وبالألم يقل .. تجمدت الدموع في مقلتيها وهي تنظر إليه وقد كان وجهه قريبا منها متصلبا قبل أن يبتعد عنها خطوتين متراجعا للوراء لكي يقول لها بازدراء واحتقار كبيرين: - كيف صدقت كاذبة متشردة مثلك؟ كيف لا أنتبه بأنك لحد الأن لم تقدمي لي دليلا واحدا على صحة ما تقولينه، يا للعار لأنني ثُرتُ لكذبة حقيرة سأدفعك ثمنها غاليا.



شدد على كلماته الاخيرة بقوة جعلتها تشعر بعدم القدرة على الحديث، واستمرت معها تلك الحالة حتى عندما استدار وفتح الباب يخرج منه بقوة لكي تنهار هي ببطء تجلس على الارض تضم ركبتيها إليها باكية من ما هي واقعة فيه، الملكة المسكينة ظنت بأن الامر سيكون سهلا فقط ما أن تجلب الامير الصغير للقصر الملكي ولكن لا أحد لا أحد سيصدقها بل سيتهمونها بالكذب والاحتيال وعلى من؟ على القصر الملكي والملك بعينه.



خرج فجأة مما جعل الحارسين يستقيمان بسرعة في وقفتهما ثم يغلقان باب الزنزانة، وقف امامهما وبعينان يتطاير الشرر منهما آمرهما قائلا: لا تطلقا سراحها، حققا معها حتى تصلا الى سبب مجيئها الى القصر وحتى تعترف لكم بكل أهدافها الخفية.



-أمرك جلالة الملك.



تركهما بعدها وخطا بخطوات تنفث النار، ولكنه توقف فجأة عندما رأى الكونتيسا مارغريت تقف أمامه تحمل شيئا صغيرا بين ذراعيها لم يُكشف له بسبب تلك الاغطية البالية التي كانت تحجبه عن ناظريه، تغضن جبينه وهو يسمعها تناديه باسمه دون رسميات:


-الكسندر انظر ماذا وجدت بين طيات ثياب هذا الرضيع.


تصلبت ملامحه بغير تصديق عندما رأى الدوقة ترفع يدها الاخرى عاليا وفي سبابتها علقت سلسلة طويلة رخيصة وعند اسفلها كان يتدحرج خاتم أهين بشدة عندما عُلق على تلك الضفيرة المعدنية التي تفتقد لأي قيمة كانت، الخاتم الذي كان يلمع ثراءً وقوة وعظمة وتاريخا، الخاتم الذي يعرفه جيدا .. الخاتم الذي توارث من جداته الملكات لأمه الراحلة وصولا لزوجته الغالية فيكتوريا.


تقدم ببطء من الدوقة حتى وصل إليها ووقف أمامها، وعندها مد يده واخذ السلسلة بهدوء منها، أمسك بطرف الخاتم ونظر لداخله، ملتزما الصمت ذهولا للحظات معدودة قبل ان يتمتم: - غير معقول، انه هو خاتم العائلة، والشعار الملكي عليه أيضا.


-ماذا نفعل الأن؟ الخاتم وجدته معلقا برقبة هذا الرضيع الذي أبقوه مع إحدى خادمات القصر حتى يحققوا مع تلك المرأة التي جاءت به.


نظر إلى تلك الاغطية الرثة المتكومة حول جسد صغير لا يتبين رأسه من قدميه ولم يستطع مد يده لرؤية وجهه فقد شعر بالرهبة من ذلك، رهبة غريبة أخجلته من نفسه، لكنه شد بقوة على الخاتم وأبقى عليه في كفه عندما استدار راحلا وهو يقول للكونتيسا: - عند هذا الحد لم يعد الامر يحتمل التجاهل، سنقوم باختبار الصلة العائلية لهذا الطفل ولي أنا حتى أعرف إن كنت حقا والده وإن كان ابني وابن فيكتوريا كما تدعي تلك الفتاة.


………..


كان جالسا على كرسي مكتبه وحيدا كالعادة ينظر أمامه الى تلك الصورة الضخمة المعلقة على الجدار مقابل مكتبه، صورة بإطار ذهبي اختارت نقوشه بنفسها حتى تحيط بصورتها وهي جالسة على العرش الملكي وفستانها الملكي يغطي ساقيها والارض امامها كنهر يجري بماء عاجي لؤلؤي .. بينما هو يقف بجانبها بقامته المديدة ويده يضعها على كتفها بتملك حيث ظهر خاتم الزواج بوضوح على بنصره ..تملك الملك لمليكته الزوج لزوجته والحبيب لحبيبته.


أبعد أنظاره عن الصورة ونظر إلى مكتبه بهدوء وهو يأذن للطارق الذي يقف عند بابه منذ لحظات بالدخول .. وكما توقع دخلت الكونتيسا إليه ..حيته التحية الملكية ولم تتكلم بعدها، شعر بترددها وعندها رفع عينيه لها ونظر إليها يسألها ببرود جليدي: - نتيجة الاختبارات الطبية إيجابية أليس كذلك؟


اكتفت بإيماءة صغيرة من رأسها وهي لا تقدر على النظر الى عينيه بالحزن الذي تحمله ملامحها وشعر حينها بغصة كبيرة قاوم ألمها وهو يقول للكونتيسا: - اذن فيكتوريا استطاعت ان تلد الطفل وماتت حرقا في ذلك القصر.



-أعلم بأن الامر بشع للغاية، ولكن يجب ان ننظر الى الامر من الناحية الثانية، طفلكما ولد ولم يمت، فيكتوريا حية في روح ذلك الطفل الصغير، ولي العهد عاش يا جلالة الملك.



نظر إليها وهي تسترسل في الحديث بكل عفوية والدموع تترقرق في عينيها: - لقد حملتهُ وجلبتهُ إلى الغرفة التي كانت فخامة الملكة قد جهزتها له، غرفة ولي العهد، انه في غاية الجمال يا ألكسندر، يشبهك بل يشبه ايضا فيكتوريا، جميل جدا في غاية النعومة ونومه هادئ ونظرته ملكية تدل حتى بدون اي اختبارات علمية على أنه أميرا يسري في عروقه الدم الازرق الملكي، انه رائع جدا .. كم انا سعيدة لأن فيكتوريا تركت لنا روحها نابضة في جسد ابنها، على الاقل نحن لم نفقد كل شيء.


هتف بغضب من سعادتها تلك: - كيف تكونين سعيدة ونحن في الحداد، م عن أي هبة من السعادة تتحدثين، انا كنت اتمنى ألا يكون ابني وان يكون كل هذا ملفقا من طرف تلك الفتاة، لأن وجود هذا الطفل يثبت كم تعذبت وكم كان موتها بشعا، يثبت بأنها لم تمت اثناء ولادتها بل النيران من التهمتها وهي ماتزال تتنفس الحياة.


قالت غير مصدقة:-غير معقول جلالتك، إنه الطفل الذي انتظرناه طويلا، الذي فعلت المستحيل للحفاظ على حياته وهو ما يزال في أحشاء والدته .. إنه ولي العهد الذي به ستستمر السلالة ....



قاطعها غير قادر على تحمل المزيد من كلماتها وهو يهتف من بين أسنانه المطبقة بشدة على بعض:-اجل مارغريت أعلم كل هذا، اعلم بأنه علي أن أكون سعيداُ جدا لأن وريث العرش ما يزال حيا، ولكنني لا استطيع، ليس بدون فيكتوريا.



صمتت بألم كبير وهي تطأطأ رأسها بحرج، وزمت شفتيها حتى أصبحتا شاحبتين تحت حمرة شفاهها وذلك لكي لا تنزل دموعها من عينيها، بقيت واقفة بجمود وهي تسمعه ينهض من مكانه، تقدم بخطواته منها وتجاوزها ولم تتوقف خطواته الا عند الصورة الجدارية الكبيرة له وللملكة، نظر للصورة بألم شديد، نظر لعينيها لشفتيها لخديها لبشرتها لجسدها كل شيء فيها كان يعشقه لكنه لم يبقى له منها سوى الصور، نظر إلى الخاتم الملكي الذي كانت تضعه في يدها بينما بنصر اليد الاخرى احتله خاتم الزواج، وعندها رفع يده له بذلك الخاتم الذي كان يحتفظ به بكل قوته ويشد عليه بين أنامله .. خاتمها الملكي.



-اجل مؤلم مولاي، ولكن لا تنسى بأنك ملك وعليك واجبات وأقسمت بأن تكون هذه الواجبات هي أولوياتك ولو على حساب مشاعرك وأحاسيسك.



صاح فيها من دون ان يستدير إليها: - من قال لك بأنني أقصر في واجباتي الملكية، انا لن ولم أجري يوما وراء احاسيسي ورغباتي الخاصة.



جاءه صوتها قويا صلبا جريئا في اتخاذ جانب حساس من الحوار عندما قالت: - اذن فلتعلم بأن ابنك في خطر عظيم الأن، لو أعلنا بكل سهولة على ان ولي العرش قد عاش فهذا الخبر سيصل لعمك وسيأتي لقتل حفيده بيده كما قتل ابنته فيكتوريا.


كز على أسنانه بقوة وهو ينظر لوجه حبيبته في الصورة، وهو يردف في نفسه على كلام الكونتيسا .. (الوالد حرق ابنته).


-سأحميه وسأنتقم لأمه شر انتقام من والدها.


-عليك حماية ابنك أولا، لا نستطيع توقع خطوات مكسيم، ولكن من المؤكد بأنه مجنون بالانتقام ويريد الاستلاء على الحكم ولو قتل جميع من في المملكة، واعلم بأنه حال ان يعرف بأن ابنته تركت إرثا ملكيا روحيا منها فهو سيسعى لتخلص منه بكل ثمن.


نظر لصورتها من جديد ولابتسامتها الملكية ورقي نظراتها الثاقبة الساحرة الجمال، وتذكر كلماتها عندما كان يشوب صوتها الرنان الأنيق الحزن فيزيده سحرا خاصا فوق سحره المميز: تحد لي ان ألد هذا الطفل، والتحدي الاكبر ان نحافظ على سلامته.


وكان دوما ما يجيبها بثقة كبيرة ويعدها بأنه سيحميه ويضحي من اجله بأي شيء كان .. ولذلك اخرج نفسه من أفكاره تلك يعد الكونتيسا قائلا:


-لا تقلقي انا سأفعل أي شيء كان لحمايته.


-لكي تحميه فعليك أولا أن تستعيد ثقة شعبك بك وبأنه في استطاعتك ان توفر لهم الامان وتأكد بأن ما حصل لن يزعزع من ثقتك بنفسك وهذا سيحصل عندما تحقق شروط الملكية التي أصبحت ناقصة بموت فيكتوريا.


استدار إليها بحدة متفاجأ من كلامها، لم يتكلم بل نظراته المستغربة كانت كفيلة بأن تجعلها تتكلم وتشرح ما كانت تعنيه بكلماتها الوقحة تلك .. فقالت:


-اعلم بأن الامر صعب جدا تقبله ولكن ولاءك للحكم الملكي سيطغى على ألم قلبك .. للأسف سنك لا يسمح لك في قانون الملكية أن تظل أرملا لبقية حياتك .. السلالة بحاجة شديدة لتوسع وولي العهد وحده ليس كافيا لهذا كما أن المملكة بحاجة لملكة تشاركك الحكم كما كانت تفعل جلالة الملكة فيكتوريا.


بقي يحدق فيها بجمود وهي لم تخف من ردة فعله، فكانت تعلم بأنه لن يعارض قوانين الحكم الملكي، يعلم جيدا حتى لو أنه كان يهرب في الآونة الاخيرة بتفكيره من حقيقة خطيرة وهي أن سلالته العريقة توشك على الانقراض بطريقة أسرع من المعقول وانه الوحيد الباقي من السلالة هو وابنه الذي علم بأمره لتو بعد موت ابنة عمه ونفي عمه وإعلان عدم انتمائه لسلالة الملكية لاكتشافه خيانته.


شعر بيدها تربت على كتفه تواسيه قائلة: -على الاقل فخامتك حققت حلمك بالإنجاب منها وابن جلالتها من سيرث عرشك لا غير فما عليك سوى ان تتقبل بأنه مقدر لك أن تنجب أمراء أخرين من غيرها .. ثم إن كل اميرات السلالات العريقة الملكية للبلدان الاخرى يتمنين ان يقترن بك وسيسعين لإرضائك واستحقاق شرف الجلوس بجانبك على العرش الملكي .. ما عليك يا بني سوى ان تختار...


قاطعها بقوة وحزم جليديين يخفي تحتهما ألم قلبه الشديد: - مازلنا في فترة الحداد، ثم إننا لم نقم لحد الأن بمراسيم لائقة لجنازة الملكة الراحلة.


اجابته باستغراب وذهول قوي: لكننا قمنا بمراسيم الجنازة اثناء غيابك.


-تقصدين قمتم بمراسيم جنازاتي انا وزوجتي وطفلنا، ولكنني عدت ولم أمت وعلي ان أقيم مراسيم ثانية حقيقية احضرها بنفسي انا وطفلي.


أومأت باستسلام برأسها ولم تسمح لها نظراته القاسية ببنت شفة، استدار بعدها ناحية اللوحة الملكية وفي نفس الوقت حدث الكونتيسا قائلا: - يمكنك الذهاب مارغريت.


حال ان شعر بباب المكتب يغلق حتى نظر من جديد لصورتها ويده لا تكف عن الشد على خاتمها في كفه، بقي يتأمل ملامحها المتناسقة الساحرة الجمال الوله بها منذ الصغر، واخذه الحنين الى الشعور ببشرتها وملامسته لذلك الحريري الناصع البياض، فمد يده الى وجهها لكي يصعق بالملمس الخشن للوحة التي رسمت عليها صورتهما معا، فسحب يده بحزن إليه متذكرا بأنها ليست اكثر من لوحة زيتية و لن يستطيع بعد ما حدث رؤيتها أمامه مباشرة .. محادثتها وملامستها، كل ما فكر بأن عليه العيش بعيدا عنها يصيبه جنون لا يستطيع بسبب مكانته العالية ومسؤولياته الكبيرة سوى ان يكتمه بصمت داخله.


بعد ساعات من مكوثه وحيدا في مكتبه غارقا في الالام والاحزان ومرهقا من التفكير في الهجوم القاتل على قصره الصيفي، والانتقام الذي وعد به لنفسه ولحبيبته ولشعبه من عمه الغادر الخائن .. وقف على قدميه وترك مقعده للخروج من غرفة المكتب، ولم يعرف لما واتته تلك الرغبة الملحة للخروج، فقلبه كان يقوده لطريق لم يكن يعرفها وبينما هو يمشي بلا هوادة في أحد أروقة القصر الكثيرة سمع صراخا وبكاءً شديدا مصدره الجناح الرئيسي للقصر .. صعد الدرجات الرئيسية المؤذية الى الجناح الملكي الخاص به، وهناك سمع الصراخ اقوى واقوى مع انه كان ذو نغمة رقيقة صغيرة، فتح باب الجناح الذي كانت تهتم به فيكتوريا في أشهر حملها كثيرا.. توقف عند عتبة الباب بذهول وهو يرى الكونتيسا تحمل بين ذراعيها ذلك الرضيع الصغير والذي لم يكن ليكف عن الصراخ مهما حاولت من تهدئته بهزه والدندنة له، نظرت الكونتيسا ناحية الملك عندما شعرت بوجوده فرأى على محياها إمارات القلق وقلة الحيلة.


-ما الذي يزعجه؟


سألها ذلك وهو يقترب منها بهدوء .. توقف على بعد خطوات صغيرة منها وقد شعر بالارتباك كل ما اقترب اكثر من ذلك الطفل، ولم تفت حركته تلك عيناي الكونتيسا الدقيقة الملاحظة والتي أجابته فوراً: - جلالتك إن سمو الامير لم يكف عن البكاء منذ أن أتينا به الى هنا.


ثم اضافت وهي تربكه اكثر بمدها للطفل إليه: - احمله جلالتك .. فأنت والده ومؤكد سيهدأ بين أحضانك.


لم يظهر الملك اي نية في الاقتراب من الطفل ومع ذلك ظلت الكونتيسا مصرة على طلبها عندما رددت: - إنه ابنك وابن فيكتوريا فلماذا تتعامل مع وجوده بكل هذه القسوة والبرود؟


نظر بحزن الى الطفل الابيض الذي كان صاحب شعر اسود داكن كوالدته بالضبط وقال للكونتيسا مفصحا عن مشاعره الحقيقية بكل حرية لا يتجرأ عليها سوى معها لثقته الشديدة بها: - اشعر بأنني لم أتقبل الأمر بعد، بأن طفلنا قد ولد بينما هي ليست بيننا، لازلت غير مستوعب لفقداني لها.


-أنت لم تفقدها كليا يا بُني، فهي تركت لك قطعة منها وانت عليك ان تعتني بها.


أومأ برأسه باستسلام ومد يده للطفل بتردد غير معهود منه، ولكنه قبل حتى أن يلمسه ويحمله بين ذراعيه، سحب يديه إليه عندما سمع طرقا على الباب، استقام في وقفته ونظر ناحية الباب يعطي الاذن بدخول الطارق، نظر بوجوم الى الخادمة التي تفاجأت بوجوده لكي تلقي عليه التحية الملكية بارتباك وهي تشير للحارس الذي دخل ورائها يمسك بذراع ذلك الجسد الهزيل الشاحب:


- فخامة الكونتيسا مارغريت ...


اتسعت عيناه بغضب شديد ونظراته تلتقي بنظراتها الزرقاء الباهتة التي ارتجفت حال ان رأته أمامها فوجد نفسه يصرخ بغضب اشتعل في داخله في وجه الحارس والخادمة التي جلباها للقصر الملكي ولجناح الامير ايضا: - من أمر بإخراج هذه المجرمة من زنزانتها؟


-أنا.


قالت الكونتيسا ذلك بهدوء وثقة قبل ان تهرب بعينيها من عينيه عندما زعزع ثقتها تلك بنظراته النارية .. فقالت للخدم بلهجة آمرة مغلفة بقوة مزيفة أمامه: - خذوها وابقوا في الخارج حتى أنادي عليكم من جديد.


نظر الخدم الى ملكهم وعندما لم يتحرك أو يقل شيئا .. نفذوا آمر الكونتيسا بسرعة وعادوا بباتريسيا الى الخارج .. حال أن اغلق الباب حتى نظرت الكونتيسا بتردد الى الملك وقالت بصوت خفيض وهي ما تزال تتحاشى نظراته القاسية الغاضبة ما أمكنها:


-كان علي أن آمر بجلبها الى هنا.


-وأوامري كانت واضحة بإبقائها في الزنزانة واستمرار التحقيق معها حتى يحين موعد محاكمتها وتأخذ جزائها لعدم مدها يد المساعدة للملكة.


نظرت الكونتيسا إليه بغضب رفضت إخفائه وفاجأته بجرأتها تلك وهي ترمقه بنظرات غير راضية، لكنها قبل ان تتكلم تقدمت بالرضيع الذي لم يكف عن الصراخ والبكاء بين ذراعيها ووضعته في مهده الملكي، واستدارت الى الملك بنفس النظرات الغاضبة وهي تقول له: - لم يكن يوما ملكنا ظالما، ليس عدلا ما قررته في حق تلك المسكينة، انا أتفهم موقفها جيدا ما كان يمكنها مساعدة ملكتنا فيكتوريا وان فعلت فما كانت إحداهن لتنجو والطفل معهما، ولكن يبدوا بأنك لا ترى هذا لأن حب الملكة أعماك.


-مارغريييييت


صاح بذلك بقوة كبيرة في وجهها، وقد احمر وجهه غضبا ولم يسبق له أن انفجر بتلك الطريقة على الكونتيسا، بينما رمشت هي بألم من تصرفه معها في الوقت الذي ازدادت صرخات الرضيع حدة لصراخ والده الذي لا يعرفه بعد، بقي ينظر إليها بغضب لوقت طويل قبل ان تتكلم أخيرا وتقول بجمود:


-ناديتُها فقط لكي ترى ولي العهد، ربما يهدأ معها لأنه هكذا سيفارق الحياة إن استمر على الصراخ والبكاء .. وبكل واضح لنا جميعا ولي العرش يبدوا بأنه لم يتحمل فراق تلك الفتاة.


نظر لطفله بألم وبقي يحدق فيه وهو يصرخ ويركل اغطية المهد بقدميه الصغيرتين، وجهه اصبح محمرا من شدة بكاءه وبعد برهة من الصمت اقترب من المهد ووقف أمامه مد يده الى وجه الطفل ولكنه ما ان لمس خذه حتى ازاداد الطفل صراخا فسحب يده بسرعة وقال ببرود:


-يمكنك الذهاب الأن كونتيسا، سأتولى أمر الامير.


-عن إذن فخامتك.


وببرود وثقل استدارت تخطوا نحو الباب ولكنه اوقفها قبل أن تصله قائلا بصرامة: - واطلبي منهم أن يتركوا الفتاة تدخل لوحدها.


التفتت إليه بذهول غير مصدقة ما سمعته فوجدته يولي ظهره اليها بتصلب ينظر لطفله الباكي وعندها لم تتجرأ على سؤاله عن سبب تغير قراره المفاجئ هذا ورغبته في رؤية الفتاة التي يُحملها ذنب موت زوجته فاستدارت من جديد الى الامام واكملت خطواتها الثقيلة الرزينة نحو الباب.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://aklam-adab777.ahlamontada.com/
مريم_العبد الله
Admin
مريم_العبد الله


المساهمات : 85
نقاط : 215
تاريخ التسجيل : 04/09/2020
العمر : 27
الموقع : مشرفة

ملوك تحت رحمة العشق للكاتبة Maroska Empty
مُساهمةموضوع: رد: ملوك تحت رحمة العشق للكاتبة Maroska   ملوك تحت رحمة العشق للكاتبة Maroska Emptyالخميس ديسمبر 15, 2022 12:09 am

الفصل الخامس




كانت تنظر من حولها الى كل تلك الفخامة الملكية التي جعلتها تشعر بالشفقة عليها لأنها تدنسها, فمنظرها في ذلك القصر يبدوا كقطعة من النفايات وسط صندوق من الجواهر الثمينة وأقمشة الحرير الفاخرة. انتفضت بسرعة عندما فتح الباب فجأة, فالتفتت اليه لكي تنظر للمرأة التي كانت في عقدها الستين تخرج من تلك الغرفة التي ادخلوها اليها قبل قليل مباشرة بعد ان أتوا بها من السجن الذي أمضت فيه وقتا بدى لها طويلا جدا من الاسر والتحقيق والتجويع, وها هي الان تنظر الى تلك المرأة التي يبدوا عليها الرقي من أخمض قدميها حتى اعلى رأسها المكوم عليه بأناقة كعكة من الشعر الناعم السواد والذي ابيض الكثير من خصلاته فما كان ذلك سوى ان زادها وقارا وحزما .. حدقت فيها المرأة لدقائق عدة الى باتريسيا التي انكمشت على نفسها حتى تكلمت المرأة الاكبر سنا أخيرا تخاطب الحرس الذين جلبوها ومازالوا في مراقبتها:







-دعوها تدخل للغرفة ولوحدها.







ظهرت إمارات الذهول الشديد على وجوه الحرس وايضا التردد في تلبية آمر الكونتيسة التي تجاوزتهم جميعا راحلة لكي تفاجأهم بقولها من وراء كتفها.








- إنها أوامره.






بقيت باتريسيا تراقب خطواتها البطيئة مبهورة بجاذبية تلك المرأة ورقيها حتى وهي في سنها المتقدم ذاك ولم تستوعب كلماتها الاخيرة الا عندما شعرت بيدي الحراس على ذراعيها عندها انتفضت ونظرت إليهم بخوف وتوجس .. فحثوها على المشي وواحد منهم يأمرها قائلا: - ادخلي.






قبل أن تحاول حتى ترجمة كلمته تلك كانوا قد فتحوا الباب وزجوا بها داخل الغرفة لكي تغلق الباب خلفها .. فوقفت مكانها برعب تكتم أنفاسها عندما رأت ذلك الجسد الطويل يقف عند مهد تحيط به ستائر حريرية كثيرة لم تسمح لها برؤية الصغير الذي تأكدت بأنها لا تستطيع العيش بدونه عندما بقيت يومين كاملين في الزنزانة بعيدة عنه.








ارتجفت شفتيها عندما لم يتحرك الجسد الواقف عند المهد كما تقطع قلبها ألما لصرخات صغيرها .. رغبت بقوة لو انها تركض اليه وتبعد تلك الستائر عنه لكي تحمله وتضمه الى صدرها وتظل طوال الوقت تتأمل لملامحه الصغيرة البريئة بلا ملل ولكنها كانت متجمدة في مكانها خوفا من ذلك الملك الظالم الذي كافأها بالعذاب والسجن على حمايتها لابنه فكانت صدمتها من تصرف ملكها ذاك أكبر من دخولها السجن.






-اقتربي.






رمشت بعينيها بذهول تحاول ان تستوعب بأن الصوت الصارم القاسي الذي سمعته للحظات كان مصدره الملك الذي لم ينظر ناحيتها حتى تلك اللحظة, وعندما اطالت التفكير سمعته يردد ثانية بقسوة أكبر: - ما الذي تنتظرينه, اقتربي واجعليه يتوقف عن البكاء, اليس هذا هو السبب الذي جعلهم يأتون بك إلى هنا؟






فغرت عن فاهها قبل أن تتحرك بسرعة جعلتها خرقاء في خطواتها, كل ما أرادته لحظتها هو رؤية الطفل وفرحتها بذلك جعلتها تنسى بأن تتحفظ امام الملك بتصرفاتها خصوصا وأنه في اشد غضبه منها, وقفت بجانبه وطلت على المهد لكي تبتسم بتلقائية للطفل الصغير, مدت يديها لحمله ولكنها توقفت عن ذلك عندما تذكرت وجود الملك بجانبها فنظرت إليه بتوجس وارتياب ووجدته ينظر اليها هو الاخر بملامح لا تعبير عليها .. تجمدت عيناها على عينيه الباردتين لثواني معدودة قبل ان يبعد هو عينيه عنها اولا وينظر لطفله, فوجده قد توقف عن البكاء وأصبح يركل بقدميه الوسائد الصغيرة من حوله ويديه يرفعانهما ناحية ابنة الخادمة يطالب بحضنها, وكأن كل ما حصل عليه في قصر أجداده من رفاهية ودفئ لا يساوي شيئا بجانب احضان تلك الهزيلة الرثة الثياب, فأمرها بهدوء دون النظر إليها قائلا:






-انه يريدك ان تحمليه.






التفتت إلى الامير بسرعة ومع أنها لم تعرف ان كان يعني الملك بكلماته تلك موافقته على اقترابها من طفله ام لا إلا أنها مدت يديها غير قادرة على الانتظار اكثر وحملت ذلك الرضيع الذي أصبح يعني لها كل الحياة. حملت الطفل بين ذراعيها والابتسامة لا تفارق وجهها, كان قلبها يرتعش فرحا وهي تضمه اليها, وأحنت رأسها حتى تطبع قبلة طويلة رقيقة على جبين الطفل الذي استكان بين أحضانها, وعندها لمح الملك الذي كان يتأمل ذلك المشهد الغريب أمامه دمعة ثقيلة نزلت من عين ابنة الخادمة وتدحرجت على وجنتها الشاحبة وهي تنظر الى طفله بحب كبير وتتأمل ملامحه بنهم .. صُعق في داخله عندما سمعها تتمتم له وكأنها قد نسيت كل من حولها ونسيت حتى وجوده معها بل لم تعد تدرك سوى وجودها مع طفله.






-سامحني .. سامحني يا حبيبي لأنني فكرت بتركك, لن أعيد هذا أبداً ولن أفترق عنك حتى أخر نفس في حياتي.






-لماذا انتظرت كل هذا الوقت حتى تعيد الامانة الى مكانها الاصلي؟






توقفت بجمود عن تقبيل الطفل وضمه إليها وكأنها صدمت لاكتشافها ان الملك ما يزال معها في تلك الغرفة لكي ترفع بعد ثوان من الصمت المميت وجهها للملك, رأت تركيزه الشديد على كل تعابيرها وعندها لم تستطع الانتظار اكثر فتمتمت بخفوت:






-لقد كانت هذه وصية الملكة الراحلة.






ثم أكملت موضحة كلامها:- لقد امرتني بإبقاء أمر بقاء ولي العهد على قيد الحياة طي الكتمان حتى تعود جلالتك الى البلاد فأسلمه الى يديك لا غير.






لم يظهر على ملامحه الواجمة اي تعبير يدل على تصديقه لكلامها حينها رددت بتسرع دون ان تزن كلماتها: -انا ايضا وددت ان اعلم السبب ولكن كما تعلم انا كنت استطيع فقط تنفيذ الوصية ولا استطيع قراءة افكار الملكة لمعرفة سبب طلبها الغريب ذاك.






-تحاولين إقناعي بأن الملكة فيكتوريا تكهنت بنجاتي من بين أيدي أعدائي؟






ظهر التوتر الشديد عليها وهي تعي نبرته الهادئة لدرجة جعلتها تحس الخطر الشديد يحوم حولها .. فتمتمت بخفوت:-اظن هذا جلالتك.






ذهبت عيناه بتلقائية الى ايدي الطفل الذي كان يلمس ذقنها كانه يريد انتباهها الذي اعطته للملك وهي تحمله .. وفي نفس الوقت سألها بنبرة الهدوء التي لم تثق بها:- وأين كنت مع الطفل طوال الاشهر الماضية؟






قالت بارتياب منه:- كنت أعيش أنا وولي العهد في بيت في القرية القريبة من القصر الصيفي.






-بيت من هذا؟






تنفست بعمق حتى تستطيع اجابته بهدوء رغم التوتر والخوف المسيطرين عليها من عينيه الثاقبتين وحضوره المهيب: بيت أشخاص أثرياء .. في الحقيقة...






-اكملي كلامك.






امرها بذلك بدون ان تظهر اي تعابير على ملامحه الباردة .. ولكنها ما كانت تستطيع سوى تنفيذ امره واخباره الحقيقة: - لقد كانوا في حاجة شديدة في تلك القرية الى عمال لجمع المحصولات الزراعية .. وقفت في صف طويل للمزارعين الذين تقدموا للعمل وقبلوا بي في الحال واستمررت في العمل في الحقول حتى كسبت ثقة احد المسؤولين عن عمال تلك المزارع واشفق على حالي انا والطفل فتدبر لي امر العمل كخادمة في احدى تلك البيوت الكبيرة.






حال ان اكملت كلماتها تلك حتى أغمضت عينيها لكي تفتحهما فظهر له فيهما الالم لذكرى الواضحة التي مرت في مخيلتها .. ذكرى قاسية لتلك الايام وهي وحيدة مع رضيع صغير ترتعش خوفا من ما حصل لولا الامير الذي كان يجبرها بوجوده معها بتحمل مسؤوليته لكانت قد انهارت وماتت فقط من هول صدمتها من ما حصل .. ولكنها عندما رأت نظراته الضيقة اليها .. اصابها الهلع وهي تعلم مدى جرمها, لقد عاشت مع الامير ولي عهد المملكة في غرفة حقيرة من غرف المزارعين في تلك الحقول التي كانت تعمل فيها .. هذا ابدا لن يُشعر الملك بالرضى عن ما فعلته .. لقد جعلت ابنه يعيش حياة زهيدة قاسية .. ولكنها صمتت عندما طرح عليها سؤالا يعرب عن ان الاتجاه الذي اتخذته افكاره كان مختلفا تماما عن ما فكرت فيه هي:






-من هؤلاء الذين يمكنهم القبول بامرأة مجهولة تحمل بين ذراعيها رضيع صغير؟






لمعت عيناها من الصدمة, ثانية لم يصدقها, نبرة الشك والاشمئزاز كانت واضحة في صوته الغاضب القاسي, ماذا عليها ان تفعل الأن حتى يصدق ما تقوله؟؟






-هل تظنينني سأصدق هذه القصة الملفقة؟






ابتلعت ريقها وهي تراه ينهض من مكانه ويقترب منها بخطى بطيئة أثارت الرعب في نفسها .. مردفا: - أخبريني ما هي حقيقتك وكيف استطعت النجاة والعيش مع طفل صغير يحمل دما ملكيا لمدة اشهر طويلة دون ان تتعرضا لأدنى خطر كان.






-لقد تعرضنا للخطر.






تمتمت بذلك والدموع تختنق في مقلتيها وعندها توقف هو عن التقدم إليها وبقي ينظر إليها بصمت بارد لثواني معدودة قبل أن يسألها: - كيف يمكنني ان أصدق بأن هناك من يستطيع أن يمنح مأوى وعمل في بيته لشابة مع طفل حديث الولادة وفي وقت كانت فيه البلاد في حالة فوضى للهجوم المسلح الغادر على القصر الملكي.






-لقد ادعيت بأ....






توقفت عن التفوه بكلماتها في اخر لحظة عندما أدركت هول ما كان سيفصح به لسانها للملك, وبكل عفوية عضت على شفتها السفلى المرتعشة, فنزلت نظرات الملك تلقائيا لشفتيها الشاحبتين المتشققتين من البرودة القاسية التي عانت منها لوقت طويل .. وماهي إلا لحظات حتى أبعد عينيه ببرود عن منظر اسنانها التي كانت تكز بها على شفتها السفلى ونظر لطفل الذي شقت الابتسامة وجهه يحاول رفع يده حتى يلمس ذقن الفتاة التي كان واضحا بأنه يعتقدها أمه لا غير ولذلك وجد الملك نفسه يبعد ثانية نظراته عن ذلك المشهد ولكنه لم يتردد في مواصلة التحقيق معها بكل قسوة قائلا:- ماذا ادعيت؟






كان التوتر الشديد مسيطرا عليها وقد بدأت تتمتم بكلمات متقاطعة غير مفهومة: - انا .. انا...






-انت ماذا؟






سألها ذلك وهو ينظر إليها بحدة شديدة جعلتها تحاول ابتلاع غصة علقت في حلقها ومع ذلك لم تنجح بالتحدث بوضوح إذ خرج صوتها هامسا مرتجفا وهي تقول له: - ادعيت بأنني أرملة وبأن الطفل هو ابني.






استرقت اليه النظر بارتعاش فوجدته ينظر اليها بهدوء مريب وشبح ابتسامة على شفتيه, كان كالقاضي الفرح الذي اعطاه المتهم دون ان يدري دليلا قاطعا على إدانته.






-إذن أنت محترفة للكذب والخداع.






فغرت عن فاهها وهي ترفع رأسها أكثر لكي تقابل نظراته بنظراتها الهلعة الغير مصدقة لما تسمعه, وراقبته بذهول تام عندما اقترب من طاولة انيقة كانت في الغرفة ورفع من عليها جرس ذهبي صغير وهزه بسرعة كبيرة وماهي إلا ثواني قليلة حتى كان الحرس بداخل الغرفة ينتظرون اوامره الذي تلاها عليهم بدون أن يرف له جفن واحد:






-أعيدوها لزنزانتها ولا تكفوا عن التحقيق معها, اريد معرفة كل تفصيل حقيقي عن حياتها.






نظرت الى الحراس الذين اقتربوا منها وتلقائيا صرخت بكل قوتها: - لا لا .. ارجوكم لا.






توقف الحرس للحظة واحدة قبل أن يكملوا طريقهم إليها بتعابير جامدة بينما هرعت إليها خادمة شابة حتى تأخذ الرضيع من بين ذراعيها والذي احس بالخطر الذي هي فيه فأطلق العنان لصرخاته, فضمته أكثر الى صدرها وهي تصرخ فيهم بفزع: - ارجوكم لا تبعدوني عنه وتعيدوني الى ذلك المكان المخيف .. سأجن هناك.






لكن ما من أحد اهتم لصرخاتها بل ازدادت قسوتهم عليها لوقاحتها وتجرئها على الصراخ ومعارضة امر ملكهم, اخذت الخادمة الطفل منها بعد ان امسك احد الحراس عنوة بذارع باتريسيا وأرغمها بقسوة يديه على اطلاق صراح الطفل, نظرت بدموع تجري على خديها الى الخادمة وهي تحاول هز الطفل وإسكاته بلا جدوى, فابتعدت بعينيها عنهما ونظرت إلى الملك الذي بقي واقفا في مكانه يحدق اليها بجمود, وعندها باغتت الحرس الذي لم يتوقع حركاتها بان تفلت ذراعها من قبضته وتركض ناحية الملك بكل سرعتها وقوتها, لم يجد الملك نفسه سوى امام فتاة ترتمي على اقدامه تتشبث بها وهي تسند جبينها الصغيرة على ساقه القوية, شعر بدموعها الساخنة تبلل ثوب بنطلونه الفاخر وصوتها شجين وهي تتوسله: - ارجوك دعني ابقى بجانب الطفل, لقد توصلت لحقيقة انني لا استطيع الافتراق عنه ابدا .. انا احبه .. احبه اكثر من نفسي واعلم بانك غاضب مني لأنني لم استطع انقاذ والدته ولكن أقسم لك بأنني لم أستطع ذل....






لم تكمل كلامها .. اذ انه أمر حرسه الذين تجمدوا في مكانهم من ذهول المنظر الذي تجسد امامهم وطالبهم بقسوة بالتحرك وابعادها عنه, فمشاعر الرحمة القليلة التي حركتها في داخله في بداية تشبثها وتوسلها به قتلتها كلماتها الاخيرة عن موت زوجته وأيقظت فيه من جديد نار الغضب على كل من تسبب في موت الملكة فيكتوريا.






-أرجعوها لزنزانتها .. الان ولا اريد رؤيتها من جديد هنا.






-ارجوك يا جلا...






قاطع نحيبها وتوسلها الحارس الذي امسك بذراعها بسرعة وجرها رغما عنها خلفه يخرجها من الغرفة, فتعثرت وسقطت ولكن الحارس جذبها من جديد بقسوة من ذراعها وجرها ثانية واخر نظرة باكية لها كانت باتجاه الملك الذي لأول مرة لا يستطيع تحمل منظر شخص في حالة مزرية كتلك, فأشاح بوجهه عنها ونظر لطفله الذي كان يزداد بكائه بين ذراعي الخادمة التي احمرت توترا من فشلها في تهدئته .. وحال تأكد بانهم قد ابتعدوا بها من صوت صراخها الذي لم يعد يصل لمسامعه حتى ترك الغرفة وطفله الباكي وخرج بخطوات قوية غاضبة متجها لمكتبه وهناك طلب ملف الفتاة من جديد لكي يدرس كل التحقيقات الذي قام بها الامن الملكي معها.





أخرجوني .. أخرجوني .. أخرجوني...



لم تكف عن التمتمة بتلك الكلمات لساعات طويلة لم تعرف فيها الليل من النهار من تلك الغرفة المظلمة التي سجنوها فيها, كانت تسند رأسها على الجدار البارد وتضم نفسها بكلتا ذراعيها تحاول أن تحافظ على حرارة جسدها في ذلك القبو القارس البرودة, اسنانها تصطك ببعضها ودموعها ابت التوقف عن النزول حتى وهي مغمضة العينين .. توقفت عن الترجي بذلك الصوت الوهن عندما سمعت خطوات قوية تطرق الممر في الخارج .. وفتحت عينيها بضعف شديد وخوف كان يزيد من ارتعاشها .. ألمها الضوء الذي انبعث من الباب الحديدي الذي اصدر صريرا قويا اثناء فتح أحدهم له, وضعت ظهر يدها أمام عينيها المنتفختين التين تعودتا على الظلام تحاول حجب النور القوي عنهما.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://aklam-adab777.ahlamontada.com/
 
ملوك تحت رحمة العشق للكاتبة Maroska
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» رواية في السراء والضراء للكاتبة مريم العبد الله

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
أقلام :: الروايات العربية :: الروايات المنقولة :: الروايات-
انتقل الى: